كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 27)

لَا يُحْصَوْنَ يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ غَيْرَ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَجُوزُ صَرْفُهُ كُلِّهِ إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُصْرَفَ إلَى اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَالْجَمْعُ فِي بَابِ الْمِيرَاثِ اثْنَانِ فَصَاعِدًا وَلَهُمَا أَنَّ الْفَقْرَ اسْمُ جِنْسٍ وَالْجِنْسُ يَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ فَصَاعِدًا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ وَلَوْ دَفَعَ إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ جَازَ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُ النِّسَاءَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً وَاحِدَةً يُعْتَقُ.

وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ أَوْ بَنِي فُلَانٍ وَفُلَانٍ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَمُوتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ كَانَ مَيِّتًا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ أَمَّا إذَا مَاتَ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ نِصْفَيْنِ وَلِأَنَّ الْمُوصِيَ لَمَّا مَاتَ أَوَّلًا، فَقَدْ وَجَبَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُمَا، فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا صَارَ نَصِيبُهُ لِوَرَثَتِهِ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِهِ صَارَ نِصْفُ الثُّلُثِ لِلْحَيِّ وَنِصْفُهُ مَرْدُودًا إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تُمْلَكُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَدْ مَاتَ قَبْلَ الْمِلْكِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لِلْحَيِّ نِصْفُ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَيْهِمَا كَانَتْ صَحِيحَةً وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الثُّلُثِ فَلَا يُزَادُ حَقُّهُ بِمَوْتِ الْآخَرِ فَكَانَ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَيِّتًا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ الْمُوصِي قَالَ بَنِي فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَلِلْحَيِّ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ وَلَا شَيْءَ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ بَيْنَ كَلِمَةُ تَقْسِيمٍ وَتَجْزِئَةٍ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَوْصَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ الثُّلُثِ، وَإِذَا بَطَلَ نَصِيبُ الْمَيِّتِ رَجَعَ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي وَلَا يَكُونُ لِلْحَيِّ إلَّا النِّصْفُ وَلَوْ قَالَ لِفُلَانِ وَفُلَانٍ وَأَحَدُهُمَا مَيِّتٌ فَالْوَصِيَّةُ كُلُّهَا لِلْحَيِّ سَوَاءٌ عَلِمَ بِمَوْتِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَيُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ الْمُوصِي عَلِمَ بِمَوْتِهِ فَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِلْحَيِّ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلِلْحَيِّ نِصْفُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ كَانَ قَصْدُهُ تَمْلِيكَ نِصْفِ الثُّلُثِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يَثْبُتُ إلَّا ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ صِلَةَ الْحَيِّ مِنْهُمَا. وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إلَى اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا تَصْلُحُ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ وَالْآخَرُ لَا تَصْلُحُ فَبَطَلَتْ الْإِضَافَةُ إلَى مَنْ لَا تَصْلُحُ إلَيْهِ الْإِضَافَةُ وَتَثْبُتُ إلَى مَنْ تَصْلُحُ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَلِهَذِهِ الْإِسْرَاءِ وَلِهَذِهِ الْأُسْطُوَانَةِ كَانَ الثُّلُثُ كُلُّهُ لِفُلَانٍ وَلَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَلِعَقِبِهِ فَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِفُلَانٍ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْعَقِبِ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ عَقِبَهُ مَنْ يَعْقُبُهُ، فَإِذَا كَانَ هُوَ حَيًّا لَا يَكُونُ لَهُ عَقِبٌ، وَإِذَا بَطَلَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الْعَقِبِ ثَبَتَ ثُلُثُ الْمَالِ إلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَلِلْمَسَاكِينِ كَانَ نِصْفُهُ لِفُلَانٍ وَنِصْفُهُ لِلْمَسَاكِينِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ثُلُثُهُ لِفُلَانٍ وَثُلُثَاهُ لِلْمَسَاكِينِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ عِنْدَهُ

الصفحة 159