كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 27)

الْمَسَاكِينَ اسْمُ جَمْعٍ فَيَتَنَاوَلُ الِاثْنَيْنِ، وَعِنْدَهُمَا اسْمُ جِنْسٍ فَيَقَعُ عَلَى الْأَدْنَى، وَكَذَا لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَلِلْحَجِّ كَانَ نِصْفُهُ لِفُلَانٍ وَنِصْفُهُ لِلْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْحَجِّ وَصِيَّةٌ لِلَّهِ - تَعَالَى - فَصَارَ كَأَنَّهُ أَوْصَى لِاثْنَيْنِ، وَإِذَا قَالَ حُجُّوا عَنِّي حَجَّةً وَأَعْتِقُوا عَنِّي نَسَمَةً يَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ نَفَاذُهَا مِنْ الثُّلُثِ، فَإِذَا كَانَ لَا يَسَعُهَا يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ الْحَجَّةُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ بُدِئَ بِهَا، وَإِنْ أَخَّرَهُ الْمَيِّتُ؛ لِأَنَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَقْوَى مِنْ نَسَمَةِ التَّطَوُّعِ وَيُعْلَمُ أَنَّ إسْقَاطَ الْفَرْضِ أَهَمُّ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ أَخَّرَهُ لِيُقْبَلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ كَانَ حَجُّهُ تَطَوُّعًا وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيُبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمَيِّتُ؛ لِأَنَّهُ أَهَمُّ عِنْدَهُ هَذَا إذَا أَوْصَى بِعِتْقِ نَسَمَةٍ مِنْهُ بِغَيْرِ عَيْنِهَا أَمَّا إذَا كَانَتْ النَّسَمَةُ بِعَيْنِهَا، فَإِنَّهُمَا يَتَحَاصَّانِ فِي الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْعِتْقِ وَصِيَّةٌ لِلْعَبْدِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا وَالْوَصِيَّةُ بِالْحَجِّ وَصِيَّةٌ لِلَّهِ - تَعَالَى - فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ وَصِيَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فَيَتَحَاصَّانِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ النَّسَمَةُ بِغَيْرِ عَيْنِهَا؛ لِأَنَّهُمَا وَصِيَّتَانِ لِلَّهِ - تَعَالَى -.

وَإِذَا أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِبَنِي فُلَانٍ وَهُمْ أَرْبَعَةٌ فَمَاتَ مِنْهُمْ اثْنَانِ وَوُلِدَ لِلْأَبِ وَلَدٌ آخَرُ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي فَالثُّلُثُ لِوَلَدِهِ يَوْمَ يَمُوتُ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَانْصَرَفَ إلَى الْمَوْجُودِينَ بَعْدَ الْمَوْتِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مَالُهُ يَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَوْمَ الْوَصِيَّةِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِمَوَالِي فُلَانٍ وَفُلَانٍ الْعَرَبِيِّ، ثُمَّ مَاتَ مِنْهُمْ مَيِّتٌ وَأَعْتَقَ فُلَانٌ مِنْهُمْ عَبْدًا، ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي فَالثُّلُثُ لِمَوَالِيهِ يَوْمَ مَاتَ لِمَا ذَكَرْنَا.

وَلَوْ كَانَ لِفُلَانٍ مَوَالِي أَعْتَقَهُمْ وَمَوَالِي أَعْتَقُوهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْعَرَبِ وَلَمْ يُبَيِّنْ لِأَيِّ الْفَرِيقَيْنِ أَوْصَى فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ وَيُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْأَعْلَى وَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَصِيَّةِ لِلْأَسْفَلِ زِيَادَةُ إنْعَامٍ، وَمِنْ الْوَصِيَّةِ لِلْأَعْلَى الشُّكْرُ عَلَى النِّعْمَةِ وَهُمَا مُتَضَادَّانِ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الثُّلُثَ لِلْمَوْلَى الْأَسْفَلِ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ بِالْوَصِيَّةِ الْبِرُّ وَالنَّاسُ يَقْصِدُونَ بِالْبِرِّ الْمَوْلَى الْأَسْفَلَ دُونَ الْأَعْلَى.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى مَوَالِيهِ كَانَ لِلْأَسْفَلِ دُونَ الْأَعْلَى كَذَلِكَ هُنَا وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ الثُّلُثَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالِاسْمِ وَهُمْ فِي اسْتِحْقَاقِهِ سَوَاءٌ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِإِخْوَتِهِ وَلَهُ أَخٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأَخٌ لِأَبٍ وَأَخٌ لِأُمٍّ أَنَّ الثُّلُثَ بَيْنَهُمْ لِاسْتِحْقَاقِ الِاسْمِ كَذَلِكَ هَاهُنَا.

وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِفُلَانٍ وَلَهُ مَالٌ فَهَلَكَ ذَلِكَ الْمَالُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، ثُمَّ اكْتَسَبَ مَالًا فَلَهُ ثُلُثُ مَالِهِ يَوْمَ يَمُوتُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ عِنْدَ الْمَوْتِ وَلِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يَكُونُ مَالُهُ أَبَدًا عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَرُبَّمَا يَسْتَفِيدُ وَرُبَّمَا يَهْلَكُ فَلَمَّا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ مُرْسَلًا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لِفُلَانٍ ثُلُثُ مَالِي الَّذِي

الصفحة 160