كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 27)

حَالِهِ لَكِنْ انْتَقَصَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَبْقَى مَعَ ذَلِكَ النُّقْصَانِ كَانَ رُجُوعًا كَمَا إذَا أَوْصَى لَهُ بِشَاةٍ، ثُمَّ ذَبَحَهَا؛ لِأَنَّ اللَّحْمَ لَا يَبْقَى إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ، وَالْإِنْسَانُ وَإِنْ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا، فَإِنَّهُ لَا يَنْقَضِي أَجَلُهُ فَلَمَّا كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ اللَّحْمَ لَا يَبْقَى إلَى وَقْتِ مَوْتِهِ، فَقَدْ قَصَدَ الرُّجُوعَ عَنْ الْوَصِيَّةِ.

وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِقُطْنٍ، ثُمَّ حَشَا بِهِ قَبَاءً أَوْ بِبِطَانَةٍ، ثُمَّ بَطَّنَ بِهَا أَوْ بِظِهَارَةٍ، ثُمَّ ظَهَّرَ بِهَا ثَوْبًا فَذَلِكَ رُجُوعٌ؛ لِأَنَّ هَذَا يُعَدُّ اسْتِهْلَاكًا مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْغَاصِبَ لَوْ فَعَلَ هَذَا انْقَطَعَ حَقُّ الْمَالِكِ فَالِاسْتِهْلَاكُ يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ.

وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِعَبْدٍ أَوْ بِثَوْبٍ، ثُمَّ بَاعَهُ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَبَيْعُهُ رُجُوعٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَهُ صَارَ بِحَالٍ لَوْ أَوْصَى بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِمِلْكِ الْغَيْرِ فَكَانَ بَيْعُهُ دَلِيلًا عَلَى الرُّجُوعِ.

وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ لَا يَمْلِكُهُ أَنْ يُشْتَرَى لَهُ، ثُمَّ تَمَلَّكَهُ الْمُوصِي بِهِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، ثُمَّ مَاتَ فَهُوَ جَائِزٌ مِنْ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِشِرَاءِ ذَلِكَ الْعَبْدِ وَبِدَفْعِهِ إلَى فُلَانٍ، فَإِذَا مَلَكَهُ بِوَجْهٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ دَفَعَ بِمَوْتِهِ الشِّرَاءَ عَنْ الْوَرَثَةِ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا إذَا قَالَ أَوْصَيْت بِهَذَا الْعَبْدِ لِفُلَانٍ وَالْعَبْدُ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ مَلَكَهُ أَنَّهُ لَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْتَرِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَرَثَةِ شِرَاؤُهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ هِبَةِ عَبْدِ الْغَيْرِ إنْ أَجَازَ صَاحِبُهُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا أَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَوْ لَمْ يَشْتَرِ بِنَفْسِهِ يَجِبُ عَلَى الْوَرَثَةِ شِرَاؤُهُ إنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ فَلَمَّا اشْتَرَى بِنَفْسِهِ أَوْ مَلَكَهُ بِوَجْهٍ آخَرَ وَجَبَ عَلَيْهِمْ نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الْعَبْدِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا تَضَايَقَ عَنْ حَقِّهِمَا يَقْضِي بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا هَذَا كَدَارٍ بِيعَتْ وَلَهَا شَفِيعَانِ ثَبَتَ حَقُّ الشُّفْعَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ إلَّا أَنَّهُ يَقْضِي بَيْنَهُمَا لِضِيقِ الْمَحَلِّ كَذَلِكَ هُنَا قَالَ فِي الْأَصْلِ إنَّهُ مَتَى سَمَّى الْوَصِيَّةَ الْأُولَى وَأَوْصَى بِهَا لِلثَّانِي كَانَ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى وَمَتَى سَمَّى الْوَصِيَّةَ بِهِ وَلَمْ يُسَمِّ الْوَصِيَّةَ الْأُولَى لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا وَكَانَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا وَبَيَانُهُ إذَا أَوْصَى بِعَبْدِهِ لِرَجُلٍ، ثُمَّ قَالَ: الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ آخَرَ كَانَ رُجُوعًا؛ لِأَنَّهُ سَمَّى الْوَصِيَّةَ الْأُولَى وَاسْتَأْنَفَ الْوَصِيَّةَ لِلثَّانِي فَكَانَ رُجُوعًا وَاسْتِئْنَافًا لِلْوَصِيَّةِ لِلثَّانِي، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ هُوَ لِفُلَانٍ آخَرَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ قَدْ أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى الْوَصِيَّةَ الْأُولَى وَاسْتَأْنَفَ الْوَصِيَّةَ لِلثَّانِي بِحَرْفِ قَدْ؛ لِأَنَّهُ لِلْإِيقَاعِ وَالْإِبْلَاغِ فِي الِاسْتِئْنَافِ فَكَانَ رُجُوعًا، وَكَذَا لَوْ قَالَ الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ، فَقَدْ أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ آخَرَ، وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ، وَقَدْ أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ رُجُوعًا؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ وَالْجَمْعِ، فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْوَصِيَّةِ وَلَمْ يَسْتَأْنِفْ الْوَصِيَّةَ لِلثَّانِي.
أَمَّا إذَا سَمَّى الْمُوصَى

الصفحة 162