كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 27)

جَمِيعًا فَيَسْتَحِقُّ جَمِيعَ مَا بَقِيَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُوصِيَ جَعَلَ حَاجَتَهُ فِي هَذِهِ الْعَيْنِ مُقَدَّمَةً عَلَى حَقِّ وَرَثَتِهِ بِقَدْرِ مَا سُمِّيَ لِلْمُوصَى لَهُ فَكَانَ حَقُّ الْوَرَثَةِ فِيهِ كَالتَّبَعِ، وَإِنَّمَا يَجْعَلُ الْهَالِكَ مِنْ التَّبَعِ لَا مِنْ الْأَصْلِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ ثَلَاثَةِ أَجْنَاسٍ مِنْ الْمَالِ فَاسْتُحِقَّ جِنْسَانِ أَوْ هَلَكَ جِنْسَانِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَإِنَّ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثَ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْمُوصَى لَهُ لَا يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ مَا بَقِيَ بِمَا أَوْجَبَهُ لَهُ بِحَالٍ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ بَقِيَتْ الْأَجْنَاسُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُجْبِرَ الْوَرَثَةَ عَلَى أَنْ يَقْسِمَ الْكُلَّ قِسْمَةً وَاحِدَةً فَيُعْطُونَهُ أَحَدَ الْأَجْنَاسِ، وَفِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ هُوَ مُسْتَحِقٌّ لِجَمِيعِ مَا بَقِيَ بِمَا أَوْجَبَهُ حَتَّى إذَا لَمْ يَهْلَكْ مِنْهُ شَيْءٌ كَانَ لَهُ أَنْ يُخَيِّرَ الْوَرَثَةَ عَلَى الْقِسْمَةِ لِيَأْخُذَ الثُّلُثَ، وَالْبَاقِي هُوَ الثُّلُثُ.

وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ ثَلَاثَةٍ وَبِثَلَاثَةٍ مِنْ الرَّقِيقِ وَاسْتُحِقَّ الْبَعْضُ أَوْ هَلَكَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصَى لَهُ إلَّا ثُلُثُ الْبَاقِي، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ هُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى قِسْمَةَ الْجَبْرِ فِي الدُّورِ وَالرَّقِيقِ فَهِيَ عِنْدَهُ كَالْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ، فَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُوصَى لَهُ جَمِيعُ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ جِنْسٍ وَاحِدٍ عِنْدَهُمَا فِي أَنَّهَا تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً وَالْأَصَحُّ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَقُولَانِ بِقِسْمَةِ الْجَبْرِ فِي الدُّورِ إلَّا أَنْ يَرَى الْقَاضِي الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ الْمُوصَى لَهُ مُسْتَحِقًّا لِلدَّارِ الْبَاقِيَةِ بِمَا أَوْجَبَ لَهُ الْمُوصِي، وَكَذَلِكَ لَا يَرَيَانِ قِسْمَةَ الْجَبْرِ فِي الرَّقِيقِ إلَّا عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الْمَالِيَّةِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا نَادِرًا فَالتَّفَاوُتُ فِي بَنِي آدَمَ كَثِيرٌ فِي الظَّاهِرِ فَلِهَذَا لَا يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ إلَّا ثُلُثُ مَا بَقِيَ.

وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ قِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ وَلِآخَرَ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَلِآخَرَ بِسَيْفٍ قِيمَتُهُ مِائَتَانِ وَلَهُ سِوَى ذَلِكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ عُرُوضٌ بِقِيمَةِ أَلْفٍ، فَإِنَّ الْوَرَثَةَ إنْ لَمْ يُجِيزُوا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ وَصِيَّتِهِ؛ لِأَنَّ مَبْلَغَ الْوَصَايَا ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَثُلُثُ مَالِ الرَّجُلِ سِتُّمِائَةٍ فَكَانَ الثُّلُثُ مِنْ مَبْلَغِ الْوَصَايَا بِقَدْرِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ فَعِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ يُبْطِلُ مِنْ وَصِيَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الرُّبُعَ فَيُسَلِّمُ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ وَقِيمَتُهُ ثَلَثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ وَلِصَاحِبِ الثَّوْبِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الثَّوْبِ وَقِيمَتُهُ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ وَلِصَاحِبِ السَّيْفِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ السَّيْفِ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ فَجُمْلَةُ مَا نَفَذَتْ فِيهِ الْوَصِيَّةُ سِتُّمِائَةٍ وَحَصَلَ لِلْوَرَثَةِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَرُبُعُ الْعَبْدِ قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَرُبُعُ الثَّوْبِ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ ذَلِكَ أَلْفٌ وَمِائَتَانِ فَاسْتَقَامَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ.

وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسَيْفٍ قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَلِآخَرَ بِسُدُسِ مَالِهِ وَلَهُ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ سِوَى السَّيْفَ كَانَ لِصَاحِبِ السَّيْفِ أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا مِنْ السَّيْفِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي السَّيْفِ وَصِيَّتَانِ وَصِيَّةٌ بِجَمِيعِهِ وَوَصِيَّةٌ بِسُدُسِهِ وَالْقِسْمَةُ فِي هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

الصفحة 164