كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 27)

فَلِهَذَا كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةٍ وَالثُّلُثُ بِقَدْرِ رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ فَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ وَاجْتَمَعَ فِيهِ حَقُّهُ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ وَذَلِكَ فِي خَمْسَةٍ فَلِهَذَا كَانَتْ الْمُهَايَأَةُ فِي الْخِدْمَةِ عَلَى خَمْسَةِ أَيَّامٍ يَخْدُمُ الْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيَكُونُ لِلْآخَرِ خُمُسَا الثُّلُثِ فِي الْعَبْدَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ فَيَسْلَمُ لَهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خُمُسُ الرَّقَبَةِ، وَلَوْ كَانَ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِصَاحِبِ الرِّقَابِ وَبِخِدْمَةِ أَحَدِهِمْ بِعَيْنِهِ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُمْ قُسِّمَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالٍ يُزَاحِمُ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ فِي الثُّلُثِ بِوَصِيَّتِهِ فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ وَاحِدًا فَأَوْصَى بِخِدْمَتِهِ لِإِنْسَانٍ وَبِثُلُثِ مَالِهِ لِآخَرَ تَثْبُتُ الْمُزَاحَمَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْعَبْدِ بِوَصِيَّتِهِمَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْخِدْمَةَ تَتَنَاوَلُهَا الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ الْمَالِ كَمَا تَتَنَاوَلُ الرَّقَبَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بِالرَّقَبَةِ لَا تَتَنَاوَلُ الْخِدْمَةَ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ غَيْرُ الرَّقَبَةِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ حَقُّهُمْ فِي الثُّلُثِ عَلَى السَّوَاءِ فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَمَا أَصَابَ صَاحِبَ الْخِدْمَةِ فَهُوَ فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ وَذَلِكَ نِصْفُهُ وَمَا أَصَابَ صَاحِبَ الثُّلُثِ، وَهُوَ نِصْفُ الْعَبْدِ كَانَ لَهُ وَالْعَبِيدُ الثَّلَاثَةُ فِي كُلِّ عَبْدٍ ثُلُثُ ذَلِكَ الثُّلُثِ فَيَكُونُ دُونَ الْخِدْمَةِ فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ فِي كُلِّ سِتَّةِ أَيَّامٍ يَخْدُمُ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ ثَلَاثَةً وَالْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ يَوْمًا حَتَّى يَمُوتَ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ، فَإِذَا مَاتَ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ فَزَالَتْ مُزَاحَمَتُهُ فَيَكُونُ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ الْمَالِ جَمِيعَ وَصِيَّتِهِ، وَهُوَ ثُلُثُ كُلِّ عَبْدٍ مِنْ الْعَبِيدِ الثَّلَاثَةِ.

وَإِذَا أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ لِرَجُلٍ وَبِغَلَّتِهِ لِآخَرَ، وَهُوَ يُخْرِجُ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنَّهُ يَخْدُمُ صَاحِبَ الْخِدْمَةِ شَهْرًا وَيَغُلُّ عَلَى صَاحِبِ الْغَلَّةِ شَهْرًا لِاسْتِوَاءِ حَقِّهِمَا فِيهِ إلَّا أَنَّهُ فِي الْخِدْمَةِ جَعَلَ الْمُنَاوَبَةَ بِالْأَيَّامِ لِتَيَسُّرِ ذَلِكَ، وَفِي الِاسْتِغْلَالِ جَعَلَ النَّوْبَةَ بِالشُّهُورِ؛ لِأَنَّ اسْتِغْلَالَ الْعَبْدِ لَا يَكُونُ عَادَةً فِيمَا دُونَ الشَّهْرِ وَيَتَعَذَّرُ اسْتِغْلَالُهُ فِي كُلِّ نَوْبَةٍ إذَا جُعِلَتْ بِالْأَيَّامِ، وَفِي كُلِّ شَهْرٍ طَعَامُهُ عَلَى مَنْ لَهُ مَنْفَعَتُهُ؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ مُقَابَلٌ بِالْغُنْمِ وَبِالنَّفَقَةِ يَتَوَصَّلُ إلَى الْخِدْمَةِ وَالْعَمَلِ وَكِسْوَتُهُ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ لِاسْتِوَاءِ حَقِّهِمَا فِيهِ وَتَعَذُّرِ تَجْدِيدِ الْكِسْوَةِ فِي كُلِّ نَوْبَةٍ، وَإِنْ جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً قِيلَ لَهُمَا افْدِيَاهُ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَهُمَا مِنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِمَا يَكُونُ بِالْفِدَاءِ، فَإِنْ أَبَيَا فَفَدَاهُ الْوَارِثُ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا حِينَ أَبَيَا الْفِدَاءَ، فَقَدْ رَضِيَا بِدَفْعِهِ وَصَارَ فِي حُكْمِ الْمُسْتَهْلَكِ فِي حَقِّهِمَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ دُفِعَ بِجِنَايَتِهِ.

وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ مِنْ غَلَّةِ عَبْدِهِ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ وَلِلْآخَرِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَ الْعَبْدِ فَثُلُثُ الْعَبْدِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِغَلَّةِ الْعَبْدِ كَالْوَصِيَّةِ بِرَقَبَتِهِ فِي الِاعْتِبَارِ مِنْ الثُّلُثِ فَالْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ مُوصًى لَهُ بِجَمِيعِ

الصفحة 188