كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 27)

وَبَيْنَ وَلِيِّ الْخَطَأِ يُقْسَمُ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ أَثْلَاثًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِهِمَا عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ أَرْبَاعًا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ قِنًّا دَفَعَهُ الْمَوْلَى وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَأْذُونِ وَجَمِيعَهَا وَأَضْدَادَهَا وَنَظِيرَهَا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى فَهُمَا يَقُولَانِ حَقُّ الَّذِي لَمْ يَعْفُ ثَابِتٌ فِي النِّصْفِ دُونَ النِّصْفِ فَيُسْلِمُ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ النِّصْفُ الَّذِي هُوَ حِصَّةُ الْعَافِي لِفَرَاغِ ذَلِكَ النِّصْفِ عَنْ حَقِّ الَّذِي لَمْ يَعْفُ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ حَقُّهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ الْعَبْدُ أَوْ الْمُدَبَّرُ رَجُلًا خَطَأً وَفَقَأَ عَيْنَ آخَرَ لِأَنَّ هُنَاكَ حَقَّ صَاحِبِ الْعَيْنِ ثَابِتٌ فِي الْكُلِّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ كَانَ الْمَوْلَى مُخَاطَبًا بِدَفْعِ جَمِيعِ الْعَبْدِ إلَيْهِ أَوْ الْفِدَاءِ وَكَذَلِكَ فِي الدَّيْنِ يَدْفَعُ إلَيْهِ جَمِيعَ الْقِيمَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَرْشُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَهَا هُنَا حَقُّ الَّذِي لَمْ يَعْفُ فِي النِّصْفِ دُونَ النِّصْفِ بِدَلِيلِ حَالَةِ الِانْفِرَادِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: أَصْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْأَرْشِ وَحَقُّ وَلِيِّ الْخَطَأِ عَشَرَةُ آلَافٍ وَحَقُّ الَّذِي لَمْ يَعْفُ مِنْ وَلِيِّ الدَّمِ خَمْسَةُ آلَافٍ وَإِنَّمَا وَجَبَ قَسْمُ أَلْفَيْنِ بَيْنَهُمَا بِسَبَبِ حَقِّ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ الْغُرَمَاءِ فِي التَّرِكَةِ وَبِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ النَّفْسِ مِنْ صَاحِبِ الْعَيْنِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَتَلَ الْمُدَبَّرُ رَجُلًا عَمْدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ خَطَأً فَعَلَى الْمَوْلَى الْقِيمَةُ وَقِسْمَتُهَا بَيْنَهُمَا عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا.
وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ نِصْفَ الْقِيمَةِ وَلِلَّذِي لَمْ يَعْفُ مِنْ وَلِيِّ الْعَمْدِ رُبْعَ الْقِيمَةِ وَيَسْقُطُ رُبْعُ الْقِيمَةِ عَنْ الْمَوْلَى بِعَفْوِ الْعَافِي وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَقَدْ بَيَّنَّا الْخِلَافَ فِيمَا إذَا جَنَى الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَعِنْدَ مَوْلَاهُ فَفِي الْمُدَبَّرِ الْحُكْمُ عَلَى ذَلِكَ التَّفْصِيلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِي جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ بِمَنْزِلَةِ الرَّقَبَةِ فِي جِنَايَةِ الْقِنِّ يَقُولُ: فَإِنْ غَصَبَ رَجُلٌ مُدْبِرًا فَقَتَلَ عِنْدَهُ قَتِيلًا وَاسْتَهْلَكَ لِرَجُلٍ مَالًا ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى فَقَتَلَ عِنْدَهُ رَجُلَيْنِ خَطَأً فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ بَيْنَ أَصْحَابِ الْجِنَايَاتِ أَثْلَاثًا ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِثُلُثِ الْقِيمَةِ وَهُوَ مَا اسْتَحَقَّهُ وَلِيُّ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ بِجِنَايَتِهِ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَيَدْفَعُ ذَلِكَ إلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِثُلُثِ الْقِيمَةِ أَيْضًا فَيَدْفَعُهُ إلَى الْأَوَّلِ حَتَّى يَسْلَمَ لَهُ قِيمَةٌ تَامَّةٌ كَمَا اسْتَحَقَّهُ ثُمَّ يَرْجِعَ بِمِثْلِهِ عَلَى الْغَاصِبِ فَيَدْفَعَ نِصْفَهُ إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ حَقَّ الثَّانِي ثَبَتَ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ وَقَدْ سَلِمَ لَهُ الثُّلُثُ فَيَدْفَعَ إلَيْهِ نِصْفَ الثُّلُثِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ هَذَا اُسْتُحِقَّ بِجِنَايَتِهِ عِنْدَ الْمَوْلَى وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَرْجِعُ بِثُلُثِ الْقِيمَةِ فَيَسْلَمُ لَهُ وَيَسْعَى الْمُدَبَّرُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ فِي دَيْنِهِ فَإِذَا قَضَاهُ يَرْجِعُ الْمَوْلَى بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَضَى الدَّيْنَ مِنْ كَسْبِ مَمْلُوكٍ لِلْمَوْلَى

الصفحة 76