كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 27)

الْفَائِدَةِ فَأَوْجَبْنَا الْأَقَلَّ لِهَذَا.

فَإِنْ مَاتَ الْمُدَبَّرُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ مَا تَعَلَّقَتْ بِنَفْسِهِ، وَلَا بِذِمَّتِهِ، وَإِنَّمَا أُوجِبَتْ الْقِيمَةُ دَيْنًا عَلَى الْمَوْلَى فَبَقَاءُ الْمُدَبَّرِ وَمَوْتُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ قِيمَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ وَعَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ إثْبَاتُ مَا يَدَّعِيهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَإِذَا اخْتَلَفُوا فِي قِيمَتِهِ وَقْتَ جِنَايَتِهِ، وَهُوَ حَيٌّ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ فَقَالَ الْمَوْلَى لَمْ تَزَلْ هَذِهِ قِيمَتُهُ مُنْذُ جَنَى وَقَالَ الْمَوْلَى كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ أَقَلَّ مِنْ هَذِهِ، وَلَا يُعْلَمُ مَتَى كَانَتْ الْجِنَايَةُ لَمْ يُصَدَّقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَأَخَذَ بِالْقِيمَةِ عَلَى مَا وَجَدَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا أَقَرَّ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْجِنَايَةَ وَقَعَتْ قَبْلَ الْيَوْمِ فِي وَقْتٍ لَا يَدْرِي كَمْ كَانَتْ قِيمَتُهُ فِيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَقْتَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ تَجِبُ قِيمَتُهُ لِلْحَالِ إضَافَةً لِلْحَادِثِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ، وَلَوْ عَلِمَ وَقْتَ الْجِنَايَةِ وَعَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ سَابِقَةً فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ يُحْكَمُ بِقِيمَتِهِ فِي الْحَالِ، وَلَا يُصَدَّقُ الْمَوْلَى فِي النُّقْصَانِ، وَلَا فِي قِيمَتِهِ، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إذَا أَقَرَّ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ قَبْلَ الْيَوْمِ فِي وَقْتٍ لَا يَدْرِي كَمْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَئِذٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى.
وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ قِيمَتَهُ لِلْحَالِ مَعْلُومٌ، وَفِيمَا مَضَى مُسَبِّبُهُ فَيُرَدُّ الْمُسَبِّبُ إلَى الْمَعْلُومِ وَيُجْعَلُ فِي الْحَالِ شَاهِدًا عَلَى مَا مَضَى بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ فَيَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ شَهِدَ لَهُ الظَّاهِرُ كَمَا إذَا اخْتَلَفَ رَبُّ الْمَاءِ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ فِي انْقِطَاعِ الْمَاءِ فِي الْمُدَّةِ، فَإِنَّهُ يُحَكَّمُ الْحَالُ فِيهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَجَّلَ الدَّفْعَ كَانَ مَدْفُوعًا بِالْجِنَايَةِ فِي الْحَالِ فَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَجَّلَ الدَّفْعَ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتَهُ فِي الْحَالِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ قِيمَتَهُ وَقْتَ الْجِنَايَةِ كَانَتْ دُونَ هَذَا.
وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّ جِنَايَتَهُ لَا تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، وَإِنَّمَا يَقُومُ فِي الْحَالِ لِيَتَبَيَّنَ بِهِ حُكْمَ مُتَعَلِّقٍ بِرَقَبَتِهِ وَلَكِنْ مُوجِبُ جِنَايَتِهِ قِيمَتُهُ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى وَقْتَ الْجِنَايَةِ وَقِيمَتُهُ فِي الْحَالِ لَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى قِيمَتِهِ وَقْتَ الْجِنَايَةِ إذْ الْقِيمَةُ تَزْدَادُ تَارَةً وَتَنْقُصُ الْأُخْرَى، فَإِنْ بَقِيَ بَيْنَهُمْ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارُ فَالْمَوْلَى يَدَّعِي الزِّيَادَةَ فِيمَا هُوَ دَيْنٌ لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى وَالْمَوْلَى يُنْكِرُ ذَلِكَ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَوْلَى كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى.

ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ فِي الدَّعَاوَى الْجِنَايَةُ عَلَى طَرَفِ الْعَبْدِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الزِّيَادَاتِ فَزَادَ هَاهُنَا رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ كَثِيرِ الْقِيمَةِ فَصَالَحَ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ، فَإِنَى أَرُدُّ مِنْ الصُّلْحِ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُزَادُ بَدَلُ يَدِ الْعَبْدِ عَلَى خَمْسَةِ آلَافِ إلَّا خَمْسَةً وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ لَمَّا تَعَذَّرَ بَدَلُ نَفْسِهِ بِعَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَنْقُصَ بَدَلُ طَرَفِهِ عَنْ بَدَلِ نَفْسِهِ، وَلَا نَصَّ فِي مِقْدَارِ هَذَا النُّقْصَانِ فَقَدَّرَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ اعْتِبَارًا

الصفحة 88