كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 27)

وَلَا يَأْخُذَ الْجُثَّةَ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ عَلَيْهِ فَالْخِيَارُ فِي مِقْدَارِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الضَّمَانِ إلَيْهِ وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ.
وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْعَبْدَ فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ عَلَى أَطْرَافِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ حَتَّى لَا يَتَعَلَّقَ الْقِصَاصُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى أَطْرَافِهِ بِحَالٍ، وَلَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ وَتَجِبُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ، وَفِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْأَمْوَالِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمَالِكِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ خَرَقَ ثَوْبَ إنْسَانٍ خَرْقًا فَاحِشًا أَوْ قَطَعَ بَعْضَ قَوَائِمِ دَابَّةِ الْغَيْرِ كَانَ لِصَاحِبِهَا الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ وَيُسَلِّمَ الْعَيْنَ إلَيْهِ وَبَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ فَهَذَا مِثْلُهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ النُّقْصَانُ فِي بَدَلِ نَفْسِهِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى طَرَفِهِ وَهَا هُنَا يُمْكِنُ النُّقْصَانُ مِنْ بَدَلِ نَفْسِهِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى طَرَفِهِ فَيُعْتَبَرُ النُّقْصَانُ هَاهُنَا.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُدَبَّرِ يُعْتَبَرُ نُقْصَانُ الْمَالِيَّةِ لِتَعَذُّرِ الدَّفْعِ فَكَذَلِكَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْقِنِّ، فَإِذَا امْتَنَعَ دَفْعُ الرَّقَبَةِ الْتَحَقَ بِمَا لَوْ كَانَ الدَّفْعُ مُتَعَذِّرًا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ قَطَعَ يَدَيْ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَاخْتَارَ الْمُشْتَرِي إمْضَاءَ الْعَقْدِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ الثَّمَنِ حِصَّةُ نُقْصَانِ الْمَالِيَّةِ، لِهَذَا الْمَعْنَى إنْ يَقْطَعْ الْيَدَيْنِ النُّقْصَانُ فِي بَدَلِ نَفْسِهِ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ النُّقْصَانُ مِنْ قِيمَةِ الثَّمَنِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ الْجِنَايَةُ عَلَى بَنِي آدَمَ إنْ أَوْجَبَتْ كَمَالَ بَدَلِ النَّفْسِ لَا يَكُونُ مُوجِبَ النُّقْصَانِ كَمَا فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْأَحْرَارِ، وَهَذَا لِأَنَّ كَمَالَ بَدَلِ النَّفْسِ وُجُوبُهُ بِالنَّصِّ وَالنُّقْصَانُ إنَّمَا يَكُونُ بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ وَالْحَذَرُ وَالِاجْتِهَادُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ النَّصِّ فَمَعَ وُجُودِ النَّصِّ لَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ النُّقْصَانِ وَبِهِ فَارَقَ الْمُدَبَّرَ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ هُنَاكَ جَمِيعُ بَدَلِ النَّفْسِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى أَطْرَافِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ النُّقْصَانِ بِطَرِيقِ الْمَصِيرِ إلَى الِاجْتِهَادِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ النَّصِّ، وَكَذَلِكَ فِي جِنَايَةِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ مَعَ إمْضَاءِ الْمُشْتَرِي الْعَقْدَ لَا يَجِبُ جَمِيعُ بَدَلِ النَّفْسِ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ فَاعْتَبَرْنَا مِنْهَا النُّقْصَانَ لِذَلِكَ، وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِيهِ، وَهُوَ أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى أَطْرَافِ الْمَمَالِيكِ مِنْ وَجْهٍ بِمَنْزِلَةِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْأَمْوَالِ وَمِنْ وَجْهٍ بِمَنْزِلَةِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْأَحْرَارِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يَجِبُ جَمِيعُ بَدَلِ النَّفْسِ بِقَطْعِ الطَّرَفِ، وَإِنَّ الْأَطْرَافَ تَابِعَةٌ لِلنَّفْسِ، فَإِذَا كَانَ مَعْنَى النَّفْسِيَّةِ مُعْتَبَرًا فِي الْجِنَايَةِ عَلَى نَفْسِ الْمَمْلُوكِ فَكَذَلِكَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى أَطْرَافِهِ وَمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ أَصْلَيْنِ تَوَفَّرَ حَظُّهُ عَلَيْهِمَا فَلِشَبَهِهِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْأَمْوَالِ قُلْنَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَحَلَّ الدَّفْعِ يَجِبُ النُّقْصَانُ وَلِشَبَهِهِ بِجِنَايَةِ الْأَحْرَارِ قُلْنَا إذَا وَجَبَ كَمَالُ بَدَلِ النَّفْسِ لَا يُعْتَبَرُ النُّقْصَانُ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْوَاجِبَ هَاهُنَا هُوَ الْقِيمَةُ دُونَ النُّقْصَانِ عَنْ شَرْطِ اسْتِيفَاءِ جَمِيعِ الْقِيمَةِ تُسَلَّمُ الْجُثَّةُ، فَإِذَا مَنَعَ الْمَوْلَى هَذَا الشَّرْطَ بِاخْتِيَارِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِشَيْءٍ كَمَا لَوْ كَسَرَ قَلْبَ فِضَّةٍ لِإِنْسَانٍ، فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْقَلْبِ أَنْ يُضَمِّنَهُ

الصفحة 98