كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 28)

كَالْمُعَادِ فِيهِ قَالَ تَعَالَى {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} [الأعراف: 44]، وَإِذَا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فِي وَصِيَّتِهِ وَقَالَا: سَمَّاهُ لَنَا فَنَسِينَاهُ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا أَثْبَتُوا الشَّهَادَةَ، وَقَدْ أَقَرُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْغَفْلَةِ وَبِأَنَّهُمْ ضَيَّعُوا الشَّهَادَةَ، وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبِيدِهِ الْأَرْبَعَةِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ فِي الْقِيَاسِ، وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ هَذَا وَأُجِيزُهُ فَيُعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رُبُعَهُ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُمْ سَوَاءً وَيَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَتِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا فِي الْعَتَاقِ.
فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُمْ مُخْتَلِفَةً أَخَذَ أَقَلَّهُمْ قِيمَةً وَأَكْثَرَهُمْ قِيمَةً فَجَمَعْنَا قِيمَتَهُمَا، ثُمَّ أَخَذْنَا نِصْفَ ذَلِكَ وَقَسَّمْنَاهُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمْ حَتَّى إذَا كَانَ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ أَلْفًا وَقِيمَةُ الثَّانِي أَلْفَيْنِ وَقِيمَةُ الثَّالِثِ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَقِيمَةُ الرَّابِعِ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، فَإِنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ أَقَلِّهِمْ قِيمَةً وَأَكْثَرِهِ قِيمَةً، وَذَلِكَ خَمْسَةُ آلَافٍ، ثُمَّ يُؤْخَذُ نِصْفُ ذَلِكَ، وَهُوَ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ فَيَضْرِبُ أَحَدَهُمْ فِيهِ بِأَلْفٍ، وَالْآخَرَ بِأَلْفَيْنِ وَالْآخَرَ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ وَالْآخَرَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ فَإِذَا جَعَلْت كُلَّ أَلْفٍ سَهْمًا بَلَغَتْ السِّهَامُ عَشَرَةً فَلِلْأَوَّلِ عُشْرُ أَلْفَيْنِ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ رُبُعُ قِيمَتِهِ، وَلِلثَّانِي عُشْرَانِ، وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ رُبُعُ قِيمَتِهِ وَلِلثَّالِثِ ثَلَاثَةُ أَعْشَارٍ، وَذَلِكَ سَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ رُبُعُ قِيمَتِهِ، فَإِنَّ قِيمَتَهُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَلِلْآخَرِ أَرْبَعَةُ أَعْشَارٍ، وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ رُبُعُ قِيمَتِهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ فَشَهِدَ الشَّاهِدَانِ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا حُرٌّ، وَهَذَا فَإِنَّهُ يُعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمَا، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُعْتِقُوا أَحَدَهُمَا وَيُمْسِكُوا الْآخَرَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ بِالْمَوْتِ يَشِيعُ فِيهِمَا، وَإِنَّمَا يَنْفُذُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ.
وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ قَالَ لِفُلَانِ: عَبْدِي هَذَا أَوْ عَبْدِي هَذَا لِلْآخَرِ وَصِيَّةٌ وَهُمَا يَخْرُجَانِ مِنْ الثُّلُثِ كَانَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُعْطُوهُ أَيَّهُمَا شَاءُوا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْمُوصَى لَهُ، وَالْأَقَلُّ مُتَيَقَّنٌ بِهِ فَلِلْوَرَثَةِ أَنْ لَا يُعْطُوهُ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الْعِتْقِ، وَهُنَاكَ الْعِتْقُ شَاعَ فِيهِمَا بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ مُخْتَلِفٌ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِالتَّقْدِيمِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ.
وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ هَذَا، وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ، ثُمَّ شَهِدَ آخَرَانِ مِنْ الْوَرَثَةِ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدًا آخَرَ سِوَاهُ فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ، وَيَتَحَاصَّانِ فِي الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي شَهَادَةِ الْوَرَثَةِ، فَإِنَّ فِيهِ إبْطَالَ مِلْكِهِمْ عَنْ الْعَبْدِ وَتَأْخِيرَ حَقِّهِمْ إلَى خُرُوجِ السِّعَايَةِ فَكَانُوا فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ كَالْأَجَانِبِ، وَقَدْ ثَبَتَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمِثْلِ مَا ثَبَتَ بِهِ حَقُّ الْآخَرِ فَيَتَحَاصَّانِ فِي الثُّلُثِ.
وَلَوْ شَهِدَ الْأَجْنَبِيَّانِ أَنَّهُ أَوْصَى لِفُلَانٍ بِالثُّلُثِ وَأَجَازَهُ الْقَاضِي، ثُمَّ شَهِدَ الْوَارِثَانِ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ هَذَا فِي مَرَضِهِ، وَهُوَ الثُّلُثُ جَازَ إعْتَاقُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ؛ لِأَنَّ

الصفحة 13