كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 28)

لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَيَّنَ الدَّيْنُ عَمِلَتْ إجَازَتُهُ، وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ فَيَصِيرُ لَهُ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ، وَقَدْ كَانَ السَّالِمُ لَهُ بِلَا مِنَّةٍ خَمْسُونَ، وَظَهَرَ الْآنَ أَنَّ ثُلُثَ الْمَالِ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ فَيَأْخُذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَيْضًا ثَمَانِيَةٌ وَثُلُثًا حَتَّى يَسْلَمَ لَهُ كَمَالُ مِائَةِ دِرْهَمٍ، وَيَبْقَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسُونَ دِرْهَمًا فَإِنْ قَالَ الِابْنُ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ: قَدْ أَجَزْت لَهُ جَمِيعَ وَصِيَّتِهِ، وَجَمِيعُ مَا أَجَازَ لَهُ أَخِي مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَخَذَ الْمُوصَى لَهُ مِنْ الْمِائَةِ الْعَيْنِ ثُلُثَهَا لِأَنَّ إجَازَةَ الْمَدْيُونِ فِي الْعَيْنِ إنَّمَا تَصِحُّ بِحَقِّ الِابْنِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَجَازَ هُوَ إجَازَتَهُ فَكَمَا أَنَّ وَصِيَّةَ الْمُوصِي تَنْفُذُ بِإِجَازَتِهِ فِي حَقِّهِ، وَإِذَا نَفَذَتْ إجَازَتُهُمَا قُلْنَا: الْمِائَةُ الْعَيْنُ تُقْسَمُ بَيْنَ الِابْنِ وَالْمُوصَى لَهُ عَلَى مِقْدَارِ حَقِّهِمَا، وَحَقُّ الْمُوصَى لَهُ مِائَةٌ فِي دِرْهَمٍ، وَحَقُّ كُلِّ ابْنٍ فِي خَمْسِينَ فَتُقْسَمُ الْمِائَةُ الْعَيْنُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثَاهَا لِلْمُوصَى لَهُ، وَذَلِكَ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ وَثُلُثُهَا لِلِابْنِ، وَقَدْ تَعَيَّنَ مِنْ الدَّيْنِ مِثْلُ ذَلِكَ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُتَعَيَّنَ مِنْ الْمَالِ مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ، وَإِنَّمَا نَفَّذْنَا الْوَصِيَّةَ فِي نِصْفِهَا فَإِذَا تَيَسَّرَ خُرُوجُ الدَّيْنِ أَمْسَكَ الْمَدْيُونُ حِصَّتَهُ، وَذَلِكَ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، وَأَدَّى خَمْسِينَ فَاقْتَسَمَهَا الِابْنُ وَالْمُوصَى لَهُ أَثْلَاثًا لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثَاهَا، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ فَيَصِلُ إلَيْهِ كَمَالُ حَقِّهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَيُسَلَّمُ لِكُلِّ ابْنٍ خَمْسُونَ دِرْهَمًا.
وَلَوْ كَانَ أَوْصَى لَهُ بِنِصْفِ الْعَيْنِ، وَنِصْفِ الدَّيْنِ فَأَجَازَ الْوَارِثَانِ ذَلِكَ فَإِجَازَةُ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ بَاطِلَةٌ، وَيَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ ثُلُثَيْ الْمَالِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَيَّنَ مِنْ الدَّيْنِ نِصْفُهُ بِاعْتِبَارِ نَصِيبِ الِابْنِ الْمَدْيُونِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَالِ الْعَيْنِ حَقُّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْوَارِثِ، وَقَدْ أَجَازَ الِابْنُ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَصِيَّتَهُ، وَإِجَازَتُهُ صَحِيحَةٌ فِي حَقِّهِ فَيَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِنِصْفِ الْعَيْنِ وَنِصْفِ الدَّيْنِ، وَذَلِكَ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَالِابْنُ إنَّمَا يَضْرِبُ فَلِهَذَا كَانَتْ الْعَيْنُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثَاهَا، وَلِلِابْنِ ثُلُثُهَا. فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا سَلَّمَ لِلِابْنِ ثُلُثَهَا، وَظَهَرَ أَنَّ الْمُتَعَيَّنَ مِنْ الدَّيْنِ ثُلُثُهَا قُلْنَا السَّالِمُ لِلِابْنِ ثُلُثُ الْعَيْنِ فِي الصُّورَةِ، وَفِي الْحُكْمِ نِصْفُ الْعَيْنِ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ إنَّمَا اسْتَحَقَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ إجَازَتِهِ فَيَكُونُ كَالسَّالِمِ لَهُ فِي حُكْمٍ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمُتَعَيَّنَ مِنْ الدَّيْنِ فِي الْحُكْمِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا.
وَلَوْ أَجَازَ لَهُ الِابْنُ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَصِيَّتَهُ، وَأَجَازَ أَيْضًا مَا أَجَازَ لَهُ أَخُوهُ أَخَذَ الْمُوصَى لَهُ مِنْ الْمَالِ الْمُعَيَّنِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ دِرْهَمًا وَالِابْنُ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِإِجَازَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِتَّةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَثُلُثَيْ دِرْهَمٍ نِصْفَ ذَلِكَ فِي الدَّيْنِ وَنِصْفُهُ فِي الْعَيْنِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إجَازَةَ الِابْنِ الْمَدْيُونِ فِي الْعَيْنِ غَيْرُ صَحِيحٍ بِحَقِّ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يُجِزْ الِابْنُ الْآخَرُ إجَازَتَهُ لَكَانَ الْمُوصَى لَهُ يَأْخُذُ سِتَّةً وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ فَإِذَا أَجَازَ إجَازَتَهُ أَخَذَ مَعَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةً

الصفحة 163