كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 28)

هَذَا الْخِلَافِ لَوْ أَوْصَى أَنْ يُعْتِقَ نَسَمَةً بِجَمِيعِ مَالِهِ فَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ فَالْوَصِيَّةُ تَبْطُلُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِهِمَا يُشْتَرَى لَهُ بِالثُّلُثِ نَسَمَةٌ فَتُعْتَقُ عَنْهُ وَاسْتَكْثَرَ مِنْ الشَّوَاهِدِ لَهُمَا فِي الْأَصْلِ قَالَ: أَرَأَيْت لَوْ أَوْصَى أَنْ يَعْتِقَ عَنْهُ نَسَمَةٌ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِائَةٌ مِنْ مَالِهِ وَمِائَةٌ مِنْ مَالِ فُلَانٍ لِرَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ أَكُنْتُ أُبْطِلُ وَصِيَّتَهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَمَّى مَالَ الْأَجْنَبِيِّ أَرَأَيْت لَوْ أَوْصَى أَنْ يُشْتَرَى لَهُ نَسَمَةٌ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ بِإِنْسَانٍ حُرٍّ أَوْ يُزَادَ مَعَ هَذِهِ الْمِائَةِ شَيْءٌ لَا يَصْلُحُ مِنْ مَالِهِ أَكُنْتُ أُبْطِلُ الْوَصِيَّةَ لَا أُبْطِلُهَا، وَهِيَ جَائِزَةٌ مِنْ ثُلُثِهِ أَرَأَيْت لَوْ أَوْصَى أَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ نَسَمَةٌ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهَا فَإِذَا فِيهَا دِرْهَمٌ سَتُّوقَةٌ أَوْ أَكْثَرُ لَا يُنْفَقُ أَمَا كُنْت آمِرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِمَا بَقِيَ أَرَأَيْت لَوْ تَجَوَّزَ بِهَذَا الْبَائِعُ أَمَا كُنْت آمِرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا أَرَأَيْت لَوْ اُسْتُحِقَّ مِنْهَا دِرْهَمٌ أَوْ هَلَكَ مِنْهَا دِرْهَمٌ أَكُنَّا نُبْطِلُ الْوَصِيَّةَ قِيلَ هَذَا كُلُّهُ عَلَى الْخِلَافِ وَمِنْ عَادَةِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الِاسْتِشْهَادُ بِالْمُخْتَلِفِ عَلَى الْمُخْتَلِفِ لِإِيضَاحِ الْكَلَامِ وَقِيلَ: بَلْ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذِهِ الْفُصُولِ فَيَقُولُ: إذَا أَوْصَى أَنْ يُشْتَرَى نَسَمَةٌ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَلَوْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ لَكَانَ الْمُشْتَرَى كُلُّهُ وَالْعِتْقُ يَكُونُ مِنْ جِهَتِهِ وَوَلَاؤُهُ لَهُ، وَإِذَا لَمْ يُجِيزُوا لَوْ قُلْنَا يُشْتَرَى بِثُلُثِهِ كُنَّا نُلْزِمُهُ.
وَلَوْ لَمْ يَرْضَ بِالْتِزَامِهِ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ مَالِهِ وَمَالِ غَيْرِهِ لَوْ أَجَازَ الْغَيْرُ هُنَاكَ لَا يَكُونُ الْمُشْتَرَى كُلُّهُ لَهُ، وَلَا يَنْفُذُ الْعِتْقُ فِي جَمِيعِهِ مِنْ جِهَتِهِ فَلَيْسَ فِي تَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ فِي مَالِهِ إلْزَامُ شَيْءٍ لَمْ يَرْضَ بِالْتِزَامِهِ، وَإِذَا أَوْصَى أَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ نَسَمَةٌ، وَأَوْصَى لِآخَرَ بِالثُّلُثِ فَثُلُثُ مَالِهِ يُقَسَّمُ عَلَى الثُّلُثِ وَعَلَى أَدْنَى مَا يَكُونُ مِنْ قِيمَةِ النَّسَمَةِ؛ لِأَنَّ بِمُطْلَقِ التَّسْمِيَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا الْأَدْنَى فَإِنَّهُ هُوَ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ قِسْمَةُ الثُّلُثِ عَلَى مِقْدَارِ مَا يَثْبُتُ مِنْ كُلِّ وَصِيَّتِهِ فَمَا أَصَابَ قِيمَةَ النَّسَمَةِ يُعْتِقُ بِهِ النَّسَمَةَ، وَمَا أَصَابَ الثُّلُثَ فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ.
وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُشْتَرَى عَبْدُ فُلَانٍ فَيُعْتَقَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُشْتَرَى مِنْ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ مَحَلُّهَا الثُّلُثُ، وَإِذَا امْتَنَعَ صَاحِبُهُ مِنْ الْبَيْعِ بِالثُّلُثِ أُوقِفَ الثُّلُثُ حَتَّى يَبِيعَهُ صَاحِبُهُ؛ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِالْوَصِيَّةِ فَمَا دَامَ فِيهِ رَجَاءُ التَّنْفِيذِ يَجِبُ أَنْ يُوقَفَ الثُّلُثُ عَلَيْهِ، فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ فَقَدْ انْقَطَعَ رَجَاءُ تَنْفِيذِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا فَيَرْجِعُ إلَى الْوَارِثِ ذَلِكَ إنْ كَانَ سَمَّى مَا يُشْتَرَى بِهِ مِنْ الثُّلُثِ.
وَلَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ نَسَمَةً بِهَذِهِ الْمِائَةِ بِعَيْنِهَا فَيُعْتِقُهَا مِنْ الثُّلُثِ عَنْهُ، فَإِنْ اشْتَرَى بِهَا نَسَمَةً فَأَعْتَقَهَا عَنْهُ، ثُمَّ اسْتَحَقَّ رَجُلٌ تِلْكَ الْمِائَةَ أَوْ بَعْضَهَا أَوْ لَحِقَهُ دَيْنٌ وَالْمِائَةُ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِهِ فَالْوَصِيُّ ضَامِنٌ لِتِلْكَ الْمِائَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُشْتَرِي فَالثَّمَنُ مَضْمُونٌ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يُسَلِّمَهَا لِلْمُشْتَرِي، ثُمَّ بِمَا ظَهَرَ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَصِيَّ مُخَالِفٌ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ

الصفحة 17