كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 28)

يُعْطِيَهُ ذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ الْقَاضِي، وَإِنْ لَحِقَ الْمَيِّتَ دَيْنٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِحِصَّةِ الْغَرِيمِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ خَصَّ بَعْضَ الْغُرَمَاءِ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ، وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ ذَلِكَ فَإِنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِالتَّرِكَةِ، وَفِي التَّخْصِيصِ إبْطَالُ حَقِّ بَعْضِهِمْ وَلَا وِلَايَةَ لِلْوَصِيِّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي إبْطَالِ حَقِّهِ فَيَكُونُ دَفْعُهُ جِنَايَةً فِي حَقِّ الْغَرِيمِ الْآخَرِ.
وَإِنْ كَانَ أَعْطَى الْأَوَّلَ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ دَفْعَهُ بِأَمْرِ الْقَاضِي كَدَفْعِ الْقَاضِي، وَلَكِنَّ الْغَرِيمَ يَتَّبِعُ الْقَابِضَ وَالْقَاضِي بِهَذَا لَا يَصِيرُ ضَامِنًا شَيْئًا فَالْمَأْمُورُ مِنْ جِهَتِهِ بِالدَّفْعِ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْغَرِيمَ يَتَّبِعُ الْقَابِضَ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الْمَقْبُوضَ كَانَ مَشْغُولًا بِحَقَّيْهِمَا، ثُمَّ لَيْسَ فِي الدَّفْعِ بِأَمْرِ الْقَاضِي إبْطَالُ حَقِّ الْآخَرِ عَنْ الْمَدْفُوعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا لِلْقَاضِي فَالْقَابِضُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْجُحُودِ وَأَمَّا إذَا دَفَعَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَذَلِكَ مِنْهُ إبْطَالٌ لِحَقِّ الْآخَرِ أَوْ بِغَيْرِ نَصٍّ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَابِضَ رُبَّمَا يَجْحَدُ الْقَبْضَ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْغَرِيمُ الْآخَرُ مِنْ اتِّبَاعِهِ.

قَالَ: وَلَوْ كَانَ أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ فَدَفَعَا إلَى رَجُلٍ دَيْنًا وَشَهِدَا أَنَّهُ لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ لَحِقَ الْمَيِّتَ دَيْنٌ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ غَيْرِهِمَا فَهُمَا ضَامِنَانِ لِجَمِيعِ مَا دَفَعَا؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا بِالدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِتَمَكُّنِ التُّهْمَةِ فِيهَا فَقَدْ صَارَا ضَامِنَيْنِ لِمَا دَفَعَا إلَى الطَّالِبِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ، وَإِنَّمَا قَصَدَا بِشَهَادَتِهِمَا إسْقَاطَ الضَّمَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا فَإِذَا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا بِذَلِكَ بَقِيَ دَفْعُهُمَا الْمَالَ الْمُدَّعَى جِنَايَةً فِي حَقِّ مَنْ أَثْبَتَ دَيْنَهُ بِشَهَادَةِ غَيْرِهِمَا فَكَانَا ضَامِنَيْنِ لِجَمِيعِ مَا دَفَعَا.
وَلَوْ لَمْ يَكُونَا دَفَعَا حَتَّى شَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي فَقَضَى الْقَاضِي بِالدَّيْنِ الْأَوَّلِ فَهُمَا فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَجَانِبِ وَإِنَّمَا دَفَعَا بَعْدَ ثُبُوتِ الدَّيْنِ بِشَهَادَتِهِمَا وَأَمَرَهُمَا بِالدَّفْعِ، ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى دَيْنٍ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا ضَمَانٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي شَهَادَتِهِمَا بِالدَّيْنِ الْأَوَّلِ فَهُمَا فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَجَانِبِ، وَإِنَّمَا دَفَعَا بَعْدَ ثُبُوتِ الدَّيْنِ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا، وَلَكِنَّ الْغَرِيمَ يَتَّبِعُ الْمَقْضِيَّ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْهُ حِصَّتَهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَقْبُوضَ كَانَ مَشْغُولًا بِحَقِّهِمَا.
قَالَ: وَلَوْ شَهِدَ وَارِثَانِ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَهِيَ كَشَهَادَةِ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لَهُمَا فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ بَلْ عَلَيْهِمَا فِيهَا ضَرَرٌ، وَالْوَصِيُّ مُصَدَّقٌ فِي كَفَنِ الْمَيِّتِ فِيمَا يُكَفَّنُ بِهِ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى ذَلِكَ أَمِينٌ مَنْصُوبٌ لَهُ.
وَلَوْ اشْتَرَى الْوَصِيُّ الْكَفَنَ مِنْ مَالِهِ وَنَقَدَ لَهُ الثَّمَنَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ كَفَنٌ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْكَفَنَ لَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُهُ وَقَدْ لَا يَكُونُ مَالُ الْمَيِّتِ حَاضِرًا يَتَيَسَّرُ الْأَدَاءُ مِنْهُ فِي الْحَالِ فَيَحْتَاجُ الْوَصِيُّ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ ذَلِكَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ بِهِ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ، وَكَذَلِكَ الْوَارِثُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِيمَا أَدَّاهُ مِنْ مَالِ

الصفحة 31