كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 28)

نَفْسِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَضَى الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ مِنْ مَالِهِ دَيْنًا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ بِشُهُودٍ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَأْخُوذُ، وَهُوَ الَّذِي يُخَاصَمُ فِي دَيْنِ الْمَيِّتِ مَعْنَاهُ قَدْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فِي حَالٍ لَا يَتَيَسَّرُ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْأَدَاءِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ بِهِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ.
وَلَا فَرْقَ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ بَيْنَ أَدَائِهِ مِنْ مَالِهِ وَبَيْنَ أَدَائِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ بِهِ فِي مَالِهِ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ يَشْتَرِي لِلْيَتِيمِ الطَّعَامَ وَالْكُسْوَةَ مِنْ مَالِهِ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ أَوْ يُؤَدِّي مِنْ مَالِ نَفْسِهِ خَرَاجَهُمْ بِشُهُودٍ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الصَّبِيُّ لَا يَقْبَلُ التَّأْخِيرَ وَفِي الْخَرَاجِ بَعْدَ مَا طُولِبَ بِالْأَدَاءِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّأْخِيرِ فَيُؤَدِّي مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِعَدَمِ تَيْسِيرِ الْأَدَاءِ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى أَدَاءِ الْخَرَاجِ وَلَا شِرَاءِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ إلَّا بِشَهَادَةِ شُهُودٍ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ دَيْنًا فِي مَالِ الْمَيِّتِ، وَهُوَ لَمْ يُجْعَلْ أَمِينًا فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ عِنْدَهُ مَالٌ فَقَالَ: أَدَّيْت مِنْهُ وَأَنْفَقْت مِنْهُ عَلَيْهِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ عَلَى ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ فَهُوَ يَنْفِي الضَّمَانَ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا يُخْبِرُ بِهِ مِمَّا هُوَ مُحْتَمَلٌ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ نَظِيرُ الْمُودَعِ إذَا أَمَرَهُ الْمُودِعُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ مِنْ الْوَدِيعَةِ فَزَعَمَ أَنَّهُ قَدْ قَضَى صَاحِبَ الدَّيْنِ دَيْنَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ الْيَمِينِ فِي بَرَاءَةِ نَفْسِهِ عَنْ الضَّمَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، فَقَالَ: قَدْ قَضَيْت لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إثْبَاتِ حَقِّ الرُّجُوعِ لَهُ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِذَا قَبَضَ الْوَصِيُّ دَيْنًا كَانَ لِلْمَيِّتِ عَلَى إنْسَانٍ كَتَبَ لَهُ الْبَرَاءَةَ بِمَا قَبَضَ، وَلَمْ يَكْتُبْ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلٍّ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ لِلْمَيِّتِ مَالًا سِوَى ذَلِكَ فَيَكُونُ بِمَا يَكْتُبُ عَلَيْهِ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلٍّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ مُبْطِلًا لِحَقِّ الْمَيِّتِ؛ وَلِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيمَا يَقْبِضُهُ فَإِنَّمَا يَكْتُبُ لَهُ الْبَرَاءَةَ عَمَّا هُوَ أَمِينٌ فِيهِ، وَهُوَ مَا وَصَلَتْ إلَيْهِ يَدُهُ.
وَلَوْ أَقَرَّ الْوَصِيُّ أَنَّ هَذَا جَمِيعُ مَا لَهُ عَلَيْهِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ مُجَازِفٌ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى مَعْرِفَةِ كَوْنِ الْمَقْبُوضِ جَمِيعَ مَا لَهُ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ الْمُوصِي بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَالِمٌ بِمَا أَقَرَّ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ مُسْقِطٌ لِمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ جِهَتِهِ، وَهُوَ يَمْلِكُ الْإِسْقَاطَ فَأَمَّا الْوَصِيُّ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ شَيْءٍ مِنْ حَقِّ الْوَرَثَةِ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الِاسْتِيفَاءَ، ثُمَّ هَذَا مِنْ الْوَصِيِّ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ، وَمِنْ الْمُوصِي إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ وَكَذَلِكَ إبْرَاءُ الْوَصِيِّ الْغَرِيمَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَقُولَ: بَرِئْت الْآنَ مِنْ الْمَالِ الَّذِي كَانَ عَلَيْك فَحِينَئِذٍ هُوَ إقْرَارٌ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ بِبَرَاءَتِهِ بِفِعْلٍ مِنْ الْمَطْلُوبِ مُتَّصِلٌ بِالطَّالِبِ، وَذَلِكَ إيفَاءُ الْمَالِ، وَفِي قَوْلِهِ بَرِئْت كَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ لَفْظُ إبْرَاءٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْكَفَالَةِ، وَإِذَا أَخَذَ الصَّبِيُّ مَالَ الْوَرَثَةِ

الصفحة 32