كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 29)

يُقَالَ إنْ كَانَ الْمَوْلَى دَفَعَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَلِلْغَائِبِ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهمَا شَاءَ رُبْعَ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَإِنْ شَاءَ الْمَوْلَى بِالتَّسْلِيمِ، وَإِنْ شَاءَ الْقَابِضَ بِالْقَبْضِ، وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى فَدَى النِّصْفَ مِنْ الشَّاهِدِ بِنِصْفِ الدِّيَةِ وَالْآخَرُ غَائِبٌ، ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ فَإِنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِ نِصْفَ الدِّيَةِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، ثُمَّ يَأْخُذَانِ مِنْ الْمَوْلَى نِصْفَ الدِّيَةِ أَيْضًا فَيَقْتَسِمَانِهِ نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُ إذَا اخْتَارَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا فَهُوَ اخْتِيَارٌ مِنْ الْآخَرِ لِأَنَّ النَّفْسَ وَاحِدَةٌ فَأَيُّهُمَا حَضَرَ فَهُوَ خَصْمٌ عَنْ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ وَيُجْعَلُ اخْتِيَارُ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ بِحَضْرَةِ أَحَدِهِمَا بِمَنْزِلَةِ اخْتِيَارِهِ الْفِدَاءَ بِحَضْرَتِهِمَا، وَهَذَا لِأَنَّ بِالْفِدَاءِ يَتَحَوَّلُ الْحَقُّ مِنْ الرَّقَبَةِ إلَى ذِمَّةِ الْمَوْلَى.
وَلَوْ فَدَى مِنْ أَحَدِهِمَا، ثُمَّ قَتَلَ الْعَبْدَ فَأَخَذَ السَّيِّدُ قِيمَتَهُ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ نِصْفَ الْقِيمَةِ إلَى الْغَائِبِ، وَلَا يَرْجِعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاعْلَمْ بِأَنَّ هَذَا الْجَوَابَ فِي الظَّاهِرِ مُتَنَاقِضٌ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ اخْتِيَارَهُ الْفِدَاءَ مِنْ أَحَدِهِمَا اخْتِيَارٌ مِنْ الْآخَرِ وَتَجِبُ لَهُمَا جَمِيعُ الدِّيَةِ، ثُمَّ قَالَ إذَا قَتَلَ الْعَبْدُ بَعْدَ مَا فَدَاهُ مِنْ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يَدْفَعُ نِصْفَ الْقِيمَةِ إلَى الْغَائِبِ فَيَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ أَنْ يَدْفَعَ نِصْفَ الدِّيَةِ. فَأَمَّا أَنْ تُحْمَلَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ كَمَا هُوَ فِي اخْتِيَارِهِ الدَّفْعَ فَإِنَّ اخْتِيَارَهُ الدَّفْعَ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا هَلْ يَكُونُ اخْتِيَارًا فِي حَقِّ الْآخَرِ فِيهِ رِوَايَتَانِ بَيَّنَّاهُمَا فِي الصُّلْحِ وَالْجَامِعِ، أَوْ يُقَال فَرَّقَ بَيْنَ قَتْلِ الْعَبْدِ وَمَوْتِهِ كَأَنَّهُ إذَا مَاتَ فَلَمْ يُوجَد هُنَا شَيْءٌ يَقُومُ مَقَامَهُ فَيَجْعَلُ حَقَّهُمَا مُتَحَوِّلًا إلَى الدِّيَةِ.
فَأَمَّا إذَا قَتَلَ فَقَدْ وَجَبَتْ الْقِيمَةُ عَلَى الْقَاتِلِ وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْعَبْدِ فَيَتَحَوَّلُ مِنْ الْآخَرِ إلَى الْقِيمَةِ، وَيَكُونُ حَقُّهُ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ وَحَقُّ الْأَوَّلِ فِي نِصْفِ الدِّيَةِ، أَوْ يُقَالُ يَحْتَمِلُ أَنَّ مَوْضِعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ مِثْلَ الدِّيَةِ، أَوْ أَكْثَرَ فَلَوْ دَفَعَ الْمَوْلَى نِصْفَ الْعَبْدِ إلَى أَحَدِهِمَا وَاخْتَارَ الْفِدَاءَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ أَنَّ اخْتِيَارَ دَفْعِ النِّصْفِ إلَى أَحَدِهِمَا يَكُونُ اخْتِيَارًا فِي حَقِّ الْآخَرِ، وَفِي كِتَابِ الصُّلْحِ ذَكَرَ أَنَّ اخْتِيَارَهُ دَفْعَ ثُلُثِ الْعَبْدِ إلَى أَحَدِهِمَا بِطَرِيقِ الصُّلْحِ لَا يَكُونُ اخْتِيَارًا فِي حَقِّ الْآخَر، وَقَدْ وَفَّقَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَقَالُوا مَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ أَنَّ الْمُصَالَحَةَ تَجُوزُ بِدُونِ حَقِّهِ، وَإِنَّمَا اخْتِيَارُ الدَّفْعِ إلَيْهِ بِنَاءً عَلَى هَذَا.
فَأَمَّا إذَا اخْتَارَ دَفْعَ نِصْفِ الْعَبْدِ إلَيْهِ يَكُونُ اخْتِيَارًا فِي حَقِّ الْآخَرِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ، وَلَكِنْ يَتَبَيَّنُ بِمَا ذَكَرَ هُنَا أَنَّ الْجَوَابَ سِوَاهُ، وَأَنَّ اخْتِيَارَ دَفْعِ النِّصْفِ إلَى أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ اخْتِيَارًا لِلدَّفْعِ فِي حَقِّ الْآخَرِ لِأَنَّهُ يَقُولُ دَفْعُ النِّصْفِ إلَى أَحَدِهِمَا اخْتِيَارُ الْفِدَاءِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَصَارَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَجْهُ تِلْكَ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ يَقُومُونَ مَقَامَ الْمَيِّتِ وَالْحَقُّ فِي الْحَاصِلِ لِلْمَيِّتِ فَهُمْ

الصفحة 122