كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 29)

جَمِيعًا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ فِي حَقِّ ذَلِكَ فَيَكُون اخْتِيَارُهُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ اخْتِيَارًا فِي حَقِّ الْكُلِّ وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ هُوَ أَنَّ الْحَقَّ قَدْ تَفَرَّقَ بَيْنَ الْوَلِيَّيْنِ فَصَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ وَيُجْعَلُ هَذَا فِي الْحُكْمِ كَجِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى شَخْصَيْنِ فَلَا يَكُونُ اخْتِيَارُ الدَّفْعِ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا اخْتِيَارًا لِلدَّفْعِ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ. فَإِذَا اخْتَارَ الْفِدَاءَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ وَهُوَ مُعْسِرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِرُبْعِ الدِّيَةِ إلَّا أَنْ يَشَاء صَاحِبُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَبْدَانِ كَانَ مُسْتَهْلِكًا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إلَّا أَنَّ مَذْهَبَهُمَا إذَا كَانَ مُعْسِرًا كَانَ اخْتِيَارُهُ بَاطِلًا وَيُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الْعَبْدِ بِالْجِنَايَةِ فَيَصِيرُ الْآخَر ضَامِنًا لَهُ نِصْفَ مَا قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّكِ وَهُوَ رُبْعُ قِيمَةِ الْعَبْدِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يُعْطِيَهُ رُبْعَ الدِّيَةِ، وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اخْتِيَارُهُ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ فِي الدِّيَاتِ، وَإِنَّمَا حَقُّ الْآخَرِ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى يُطَالِبُهُ بِهِ إذَا أَيْسَرَ وَلَا سَبِيل عَلَى شَرِيكِهِ.
وَلَوْ وَهَبَ الْمَرِيضُ عَبْدَهُ لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِنْ اخْتَارَ الْمَوْلَى الدَّفْعَ دَفَعَهُ كُلَّهُ خُمُسُهُ بِالْجِنَايَةِ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ بِنَقْضِ الْهِبَةِ لِأَنَّ الْهِبَةَ إنَّمَا تَجُوزُ فِي سُدُسِ الْعَبْدِ وَوَصِيَّةُ الْآخَرِ بِالسُّدُسِ أَيْضًا فَإِنَّ الثُّلُثَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَاءِ حَقِّهِمَا فِيهِ وَلِلْوَرَثَةِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ، ثُمَّ يَدْفَعُ السَّهْمَ الَّذِي جَازَتْ الْهِبَةُ فِيهِ بِالْجِنَايَةِ فَيَصِيرُ لِلْوَرَثَةِ خَمْسَةٌ وَحَاجَتُهُمْ إلَى أَرْبَعَةٍ فَظَهَرَتْ الزِّيَادَةُ فِي نَصِيبِهِمْ سَهْمٌ وَهُوَ السَّهْمُ الدَّائِرُ فَيُطْرَحُ ذَلِكَ مِنْ أَصْلِ حَقِّهِمْ يَبْقَى حَقُّهُمْ فِي ثَلَاثَةٍ وَحَقُّ الْمُوصَى لَهُ فِي سَهْمٍ وَحَقُّ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي سَهْمٍ فَيَكُونُ الْعَبْدُ عَلَى خَمْسَةٍ، ثُمَّ يَدْفَعُ الْمَوْهُوبُ لَهُ خَمْسَةً بِالْجِنَايَةِ فَيَصِيرُ لِلْوَرَثَةِ أَرْبَعَةٌ مِثْلَا مَا نَفَّذْنَا فِيهِ الْوَصِيَّةَ وَيَصِيرُ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّ الْمَرِيضَ مَاتَ عَنْ عَبْدٍ وَخُمُسِ عَبْدٍ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ، ثُمَّ هَذَا الْجَوَابُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. فَأَمَّا عِنْدَهُمَا يَنْبَغِي أَنْ يَضْرِبَ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ الْعَبْدِ وَبِثُلُثِ خُمُسِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ فِي الْحُكْمِ إنَّمَا تَرَكَ عَبْدًا وَخُمُسًا فَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ يَضْرِبُ فِي الثُّلُثِ بِجَمِيعِ ذَلِكَ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ يَضْرِبُ بِالثُّلُثِ بِجَمِيعِ الْعَبْدِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُمَا أَنَّ الْمُوصَى لَهُ عِنْدَ عَدَمِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَضْرِبُ إلَّا بِمِقْدَارِ الثُّلُثِ فَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَعَرَفْنَا أَنَّ الْجَوَابَ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ، وَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَدَاهُ بِجَمِيعِ الْهِبَةِ فَإِنَّ الْهِبَةَ تَصِحُّ بِجَمِيعِ الْعَبْدِ فَإِنَّ مَالَهُ فِي الْحَاصِلِ أَحَدَ عَشَرَ أَلْفًا الدِّيَةُ وَالْعَبْدُ فَيَكُونُ نَصِيبُ الْمَوْهُوبِ لَهُ مِنْ الثُّلُثِ مِقْدَارَ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَلِهَذَا جَازَتْ الْهِبَةُ فِي جَمِيعِهِ فَيَفْدِيهِ بِعَشَرَةِ آلَافٍ، ثُمَّ يُعْطَى الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ مِنْ الدِّيَةِ إلَى تَمَامِ الثُّلُثِ

الصفحة 123