كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 29)

مَا يَلْزَمُهُ الْفِدَاءُ فِيهِ. فَإِنَّمَا يَفْدِي ثُلُثَ الْعَبْدِ بِثُلُثِ الدِّيَةِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَثُلُثُ أَلْفٍ وَيَسْلَمُ لَهُ الْعَبْدُ كُلُّهُ بِالْهِبَةِ وَثُلُثَا الْعَفْوِ، وَذَلِكَ سِتُّمِائَةٍ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْجِنَايَةِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ: الْقِيمَةُ أَوْ الدِّيَةُ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْأَقَلُّ، وَهُوَ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ فَيَكُونُ السَّالِمَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فِي الْحَاصِلِ أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ، قَدْ سَلِمَ لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُ ذَلِكَ مِنْ الدِّيَةِ، فَكَانَ مُسْتَقِيمًا، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَاخْتَارَ الدَّفْعَ دَفَعَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ كَمَا بَيَّنَّا، وَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَدَى أَرْبَعَةَ أَسْبَاعِهِ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعِ الدِّيَةِ وَيَسْلَمُ لَهُ الْعَبْدُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّا نَضُمُّ ضِعْفَ قِيمَةِ الْعَبْدِ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ آلَافٍ إلَى الدِّيَةِ، ثُمَّ نُوجِبُ عَلَيْهِ الْفِدَاءَ بِحِصَّةِ مَا عَدِمْنَا وَذَلِكَ سُبْعَانِ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَا هِبَةٌ، فَبَعْدَ وُجُودِ الْهِبَةِ يَتَضَاعَفُ الْفِدَاءُ فَيَفْدِي أَرْبَعَةَ أَسْبَاعِهِ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعِ الدِّيَةِ، وَذَلِكَ خَمْسَةُ آلَافٍ وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ أَلْفٍ، وَيَسْلَمُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ الْعَبْدُ بِالْهِبَةِ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ بِالْعَفْوِ، وَذَلِكَ سِتَّةُ أَسْبَاعِ أَلْفٍ فَيَكُونُ لَهُ أَلْفَانِ وَسِتَّةُ أَسْبَاعِ أَلْفٍ فَذَلِكَ ثُلُثُ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ.
وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ فَدَى ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّا نَضُمُّ إلَى الدِّيَةِ ضِعْفَ الْقِيمَةِ وَذَلِكَ سِتَّةُ آلَافٍ فَيَكُونُ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفًا، فَلَوْ كَانَ الْعَفْوُ خَاصَّةً لَكَانَ يَفْدِي بِحِسَابِ الْمَضْمُومِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الدِّيَةِ، فَعِنْدَ اجْتِمَاعِ الْهِبَةِ مَعَ الْعَفْوِ يَتَضَاعَفُ الْفِدَاءُ فَيَفْدِي ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ، وَذَلِكَ سَبْعَةُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةٍ، فَيَسْلَمُ لَهُ الْعَبْدُ بِطَرِيقِ الْهِبَةِ، وَقِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ رُبْعُهُ بِالْعَفْوِ قِيمَتُهُ سَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ، فَذَلِكَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَسَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ نَفَّذْنَا فِيهِ الْوَصِيَّةَ، قَدْ سَلِمَ لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُ ذَلِكَ. لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ فَدَى ثَمَانِيَةَ أَتْسَاعٍ بِثَمَانِيَةِ أَتْسَاعِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّا نَضُمُّ ضِعْفَ الْقِيمَةِ، وَهُوَ ثَمَانِيَةُ آلَافٍ إلَى الدِّيَةِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا الْعَفْوُ لَكَانَ يَفْدِي بِحِصَّةِ الْمَضْمُومِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَتْسَاعِهِ. فَإِذَا اجْتَمَعَتْ الْهِبَةُ وَالْعَفْوُ يَتَضَاعَفُ الْفِدَاءُ؛ فَلِهَذَا يَفْدِي ثَمَانِيَةَ أَتْسَاعِهِ بِثَمَانِيَةِ أَتْسَاعِ الدِّيَةِ، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ خَمْسَةَ آلَافٍ فَدَاهُ كُلَّهُ بِجَمِيعِ الدِّيَةِ وَيَسْلَمُ لَهُ الْعَبْدُ بِالْهِبَةِ؛ لِأَنَّا نَضُمُّ ضِعْفَ الْقِيمَةِ إلَى الدِّيَةِ فَيَكُونُ عِشْرِينَ أَلْفًا، فَلَوْ كَانَ الْعَفْوُ دُونَ الْهِبَةِ لَكَانَ يَفْدِي بِحِصَّةِ الْمَضْمُومِ، وَذَلِكَ نِصْفُ الْعَبْدِ. فَإِذَا اجْتَمَعَتْ الْهِبَةُ مَعَ الْعَفْوِ يَتَضَاعَفُ الْفِدَاءُ عَلَيْهِ فَيَفْدِي جَمِيعَهُ بِجَمِيعِ الدِّيَةِ، وَذَلِكَ عَشَرَةُ آلَافٍ وَيَسْلَمُ لَهُ الْعَبْدُ بِالْهِبَةِ وَقِيمَتُهُ خَمْسَةُ آلَافٍ فَيَسْتَقِيمُ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ وَهَذَا؛ لِأَنَّا نُصَحِّحُ الْهِبَةَ لَهُ فِي جَمِيعِ الْعَبْدِ أَوَّلًا، فَإِنَّ بِتَصْحِيحِ الْهِبَةِ فِي جَمِيعِ الْعَبْدِ يَزْدَادُ الْفِدَاءُ عَلَيْهِ وَبِزِيَادَةِ الْفِدَاءِ يَزْدَادُ مَالُ الْمَيِّتِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَصْحِيحِ الْهِبَةِ فِي جَمِيعِ الْعَبْدِ، ثُمَّ إنْ بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ يَصِحُّ الْعَفْوُ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ وَيَفْدِي مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا فِي الْمَسَائِلِ

الصفحة 86