كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 30)

الِابْنِ عَلَى الْأَبِ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ الِابْنُ هُوَ الَّذِي وَطِئَ أَوَّلًا أَوْ الْأَبُ أَوْ كَانَ الْوَطْءُ مِنْهُمَا مَعًا فَإِنْ كَانَ الِابْنُ هُوَ الَّذِي وَطِئَ أَوَّلًا فَعَلَيْهِ لِلَّتِي وَطِئَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَتَبِينُ امْرَأَتُهُ وَلَهَا عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الِابْنَ وَطِئَ أُمَّ امْرَأَتِهِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْفُرْقَةَ وَتَبِينُ امْرَأَتُهُ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ فَيَكُونُ لَهَا عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ ثُمَّ يَكُونُ عَلَى الْأَبِ لِلَّتِي وَطِئَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَلَا يَغْرَمُ لِامْرَأَتِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ مِنْهُ حِينَ طَاوَعَتْ الِابْنَ حَتَّى وَطِئَهَا، فَإِنَّمَا بَانَتْ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهَا، فَإِنْ كَانَ الْأَبُ هُوَ الَّذِي وَطِئَهَا أَوَّلًا، فَإِنَّهُ يَغْرَمُ لِلَّتِي وَطِئَهَا مَهْرَهَا وَتَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ ابْنَةَ امْرَأَتِهِ وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ كَانَتْ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ الِابْنُ يَغْرَمُ لِلَّتِي وَطِئَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا، وَلَا يَغْرَمُ لِامْرَأَتِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ مِنْهُ حِينَ طَاوَعَتْ الْأَبَ حَتَّى وَطِئَهَا، فَإِنَّمَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَوْ كَانَ الْوَطْءُ مِنْهُمَا جَمِيعًا مَعًا أَوْ كَانَ لَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا أَوَّلَ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَطِئَا مَعًا؛ لِأَنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ ظَهَرَ، وَلَا يُعْرَفُ التَّارِيخُ بَيْنَهُمَا فَيُجْعَلَا كَأَنَّهُمَا وَقَعَا مَعًا ثُمَّ يَغْرَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلَّتِي وَطِئَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا، وَلَا يَكُونُ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى زَوْجِهَا شَيْءٌ، فَإِنَّ السَّبَبَ الْمُسْقِطَ لِصَدَاقِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قَدْ ظَهَرَ، وَهُوَ مُطَاوَعَتُهَا أَبَ الزَّوْجِ أَوْ ابْنَهُ
وَيُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمُسْقِطَ وَالْمُوجِبَ إذَا اقْتَرَنَا تَرَجَّحَ الْمُسْقِطُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُسْقِطَ يُرَدُّ عَلَى الْمُوجِبِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَى الْمُسْقِطِ، وَلِأَنَّ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ مُسْقِطٌ لِجَمِيعِ الصَّدَاقِ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا تَرَكْنَا هَذَا الْأَصْلَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ بِالنَّصِّ إذْ تَعَارُضُ السَّبَبَيْنِ يَمْنَعُ إضَافَةَ الْفُرْقَةِ إلَى الزَّوْجِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَيَجِبُ التَّمَسُّكُ فِيهِ بِمَا هُوَ الْأَصْلُ، وَلَا يَكُونُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَزَوَّجَ وَاحِدَةً مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ؛ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا مَوْطُوءَةُ الْأَبِ وَالْأُخْرَى مَوْطُوءَةُ الِابْنِ

وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ بَيْنَهُمَا جَارِيَةٌ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ، فَهُوَ ابْنُهُمَا يَرِثَهُمَا وَيَرِثَانِهِ، وَلَا يَكُونُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَطَأَ الْجَارِيَةَ؛ لِأَنَّهَا بَقِيَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدَيْهِمَا، وَلَا يَحِلُّ لِوَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ وَطْءُ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَلَا يَغْرَمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُلْزِمَ نِصْفَ الْعُقْرِ لِصَاحِبِهِ فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا قِصَاصًا بِالْآخَرِ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَتَقَتْ الْجَارِيَةُ وَسَعَتْ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِ الْآخَرِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَأُمُّ الْوَلَدِ لَا تَسْعَى لِمَوْلَاهَا فِي شَيْءٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْعَتَاقِ، وَلَوْ كَانَ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْوَلَدَ دُونَ صَاحِبِهِ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَتَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَيَغْرَمُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ عُقْرِهَا وَنِصْفَ قِيمَتِهَا، وَهَذَا

الصفحة 306