كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 30)

خَرَجَ أَكْثَرُهُ فَتَحَرُّكُ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ حَيٌّ، وَإِنْ خَرَجَ أَقَلُّهُ فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ دَلِيلُ كَوْنِهِ حَيًّا، وَإِنَّمَا شَرَطْنَا وُجُودَهُ فِي الْبَطْنِ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ؛ لِأَنَّ الْوِرَاثَةَ خِلَافَةٌ وَالْمَعْدُومُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ خَلَفًا عَنْ أَحَدٍ فَأَدْنَى دَرَجَاتِ الْخِلَافَةِ الْوُجُودُ.
(فَإِنْ قِيلَ) الْخِلَافَةُ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْخِلَافَةِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَكُونُ خَلَفًا عَنْ الْمَيِّتِ وَأَنْتُمْ لَا تَعْتَبِرُونَ ذَلِكَ بَلْ تَقُولُونَ، وَإِنْ كَانَ نُطْفَةً فِي الرَّحِمِ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ وَلَا حَيَاةَ فِي النُّطْفَةِ قُلْنَا نَعَمْ تِلْكَ النُّطْفَةُ فِي الرَّحِمِ مَا لَمْ تَفْسُدْ فَهِيَ مُعَدَّةٌ لِلْحَيَاةِ وَلَأَنْ يَكُونَ مِنْهَا شَخْصٌ حَيٌّ فَيُعْطَى لَهَا حُكْمُ الْحَيَاةِ بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ كَمَا يُعْطَى لِلْبَيْضِ حُكْمُ الصَّيْدِ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ عَلَى الْمُحْرِمِ إذَا كَسَرَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَعْنَى الصَّيْدِيَّةِ، وَلِهَذَا قُلْنَا بِأَنَّ إعْتَاقَ مَا فِي الْبَطْنِ صَحِيحٌ وَالْوَصِيَّةُ لَهُ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ نُطْفَةً فِي الرَّحِمِ بِاعْتِبَارِ الْحَالِ وَلَكِنْ يُعْتَبَرُ الْمَآلُ فَكَذَلِكَ هُنَا يُعْتَبَرُ الْمَآلُ فَكَذَلِكَ يَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ وَلَمَا جَعَلْنَا الْجَنِينَ فِي الْبَطْنِ كَالْمُنْفَصِلِ فِي مَنْفَعَةِ الْمَالِكِيَّةِ بِالْإِرْثِ اعْتِبَارًا لِمَآلِهِ فَكَذَلِكَ النُّطْفَةُ تُجْعَلُ كَالنَّفْسِ الْحَيَّةِ بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ، ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّ الْعُلُوقَ يَسْتَنِدُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ إلَّا فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَيَقَّنَ بِهِ ذَلِكَ، وَفِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ لَا ضَرُورَةَ فَاسْتَنَدْنَا إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ وَذَلِكَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، فَأَمَّا بَعْدَ ارْتِفَاعِ النِّكَاحِ بِنَا حَاجَةٌ إلَى إسْنَادِ الْعُلُوقِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ لِإِثْبَاتِ النَّسَبِ، وَإِذَا أَسْنَدْنَا إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ فَقَدْ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْبَطْنِ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ لَوْ قَالَ لِأَمَةٍ لَهَا زَوْجٌ أَنْتِ حُرَّةٌ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَقَلَّ فَإِنَّ وَلَاءَ الْوَلَدِ لِمَوْلَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ إعْتَاقِ الْأُمِّ فَصَارَ مَقْصُودًا بِالْعِتْقِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَوَلَاؤُهُ لِمَوَالِي الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ إعْتَاقِ الْأُمِّ بِتَيَقُّنٍ فَيَكُونُ هُوَ فِي حُكْمِ الْوَلَاءِ تَبَعًا وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَتَيْنِ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ مَوْلَى لِمُوَالَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِكَوْنِهِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ حِينَ أَثْبَتْنَا نَسَبَهُ مِنْ الزَّوْجِ فَيَصِيرُ الْوَلَدُ مَقْصُودًا بِالْعِتْقِ، وَإِنَّمَا شَرَطْنَا فِي التَّوْرِيثِ انْفِصَالَ الْوَلَدِ حَيًّا؛ لِأَنَّ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ حَقِيقَةً وَلَكِنْ إذَا انْفَصَلَ حَيًّا كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا لِلْحَيَاةِ يَوْمئِذٍ وَتَحَرُّكُهُ فِي الْبَطْنِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِكَوْنِ تَحَرُّكِ الْبَطْنِ مُحْتَمَلًا قَدْ يَكُونُ مِنْ الرِّيحِ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الْوَلَدِ أَمَّا إذَا انْفَصَلَ وَاسْتَهَلَّ فَهُوَ دَلِيلُ حَيَاتِهِ وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ وَرِثَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ».
وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْعُطَاسُ دَلِيلُ حَيَاتِهِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِهْلَالِ وَتَحَرُّكُ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ

الصفحة 51