كتاب المدخل إلى صحيح البخاري
لقد مرت مائةٌ وسبع وعشرون سنةً منذ صدور تلك الطبعة، ولا تزال هي أفضل طبعة لصحيح البخاري على الإطلاق، تتحدى بدقتها، وحسن إخراجها أحدثَ أساليب الطباعة والتحقيق. ولم تستطع آلات الطبع الحديثة، ولا الحروف الجديدة المخترعة، ولا المجامعُ العلمية التي تأسست خلال هذه المدة أن تُخرج طبعةً أفضل منها، لا في صحة النص ودقة الضبط، ولا في جمال الإخراج وأناقة التنضيد.
لقد أبدع الإمامُ شرفُ الدِّينِ عليُّ بنُ مُحمَّدٍ اليُونِينيُّ (-٧٠١) في تصحيح نسخته ومقابلتها على أصحِّ الأصول الخطية، وتَتَبَّعَ كل اختلاف بين هذه الأصول فأثبته، من خلال نظام دقيق لتحقيق النص وإثبات الفروق، جعل فيه لكل نسخة من النسخ التي اعتمد عليها رمزًا، فكان بذلك مبدعًا في ميدان التوثيق، ورائدًا في مجال التحقيق.
وصرف الإمام اليونيني عمره في دراسة صحيح البخاري وتدريسه ومقابلته، حتى قابله في سنة واحدة إحدى عشرةَ مرةً. وجمع سنة ٦٦٧ هـ أبرز علماء دمشق، وعقد لهم مجالس لقراءة صحيح البخاري وتصحيحه.، حضرها إمام النحاة الشهير محمد ابن مالك (-٦٧٢) صاحب الألفية، وتمت القراءة والمقابلة والتصحيح في واحدٍ وسبعين مجلسًا، نتج عنها أصح نسخة من صحيح البخاري تُسَمَّى: النسخة اليونينة.
لقد أخرجت الطبعة السلطانية كنوز تلك النسخة اليونينية بإتقان، ونقلت رموزها بدقة بالغة، وهو أمرٌ لم تتمكن من القيام به أي طبعة أخرى حتى الآن.
وقد زادت الطبعة السلطانية دقةً وتحريرًا بمقابلتها على نسخة أخرى فائقة الأهمية، هي النسخة البصرية، وهي فرعٌ عن النسخة اليونينية، نسخها بخط يده العلامة الشيخ عبد الله بن سالمٍ البصري (-١١٣٤)، وهو عالم شهير، أقرأ صحيح البخاري في جوف الكعبة عدة مراتٍ، وألَّف شرحًا له. واعتنى بنسخته من صحيح البخاري،
الصفحة 8
316