كتاب في الميزان الجديد

وخطره- على أن يلون الإحساس الفكرة، وأن ترفع الصور الشعرية من استوائها البارد.
وكيتس يمثل اتجاها ثالثا، فهو شاعر الصيغ والأوضاع المجسمة، يرى بعض الأواني التي كانت توضع على قبور الموتى من الإغريق القدماء، ويتأمل فيما يحلي جوانبها من صور جميلة فيتبع ببصره خطوطها، وكأن بصره الريشة التي خلقتها، ويصف ما يرى فينفث فيه الحياة، إذا به يثير فينا ضروبا من الانفعال الفني فنشاركه إحساسه، بل نشارك الصور حياتها، وهو يسائل تلك الصور فنيطقها بأسرارها.
وهنا أنا اليوم في "أرواح وأشباح" للشاعر علي محمود طه، فأرى صورا مغرية وحيلا في الطباعة تهش لها العيون، ثم أفتح الكتاب وآخذ في القراءة فتنطوي النفس وينفر الإحساس.
وفيمَ الإغراب وأجمل الشعر أشده سذاجة؟! وفيمَ الزج بسافو وبليتيس وتاييس وتلك أسماء تاريخية أو خرافية، لها دلالتها في كل العقول؟ ومن عجب أن تبحث عن شيء من تلك الدلالة في أقوال كل منهن فلا نجد شيئا، وتلاحقك الصور التاريخية التي تعرف عنهن وأنت تقرأ فتتلف عليك إحساسك وتثير بك الغيظ! ولكم من مرة تتساءل: لِمَ هذه الأسماء الحبيسة في حقائقها التقليدية؟ وبودك لو أخذت قلمك ومحوتها من كل النسخ لتحل محلها أسماء أخرى، بل أرقاما إن عزَّت الأسماء الشعرية، ويبلغ بك الحنق أقصاه عندما تنظر في مقدمة القصيدة، فترى الشاعر قد قدم إليك هذه الشخصيات نثرا كما يعرفها الناس، وتنظر في الشعر علك ترى فيه إيضاحا لهن وتمشيا مع ما عرضه المؤلف عنهن في المقدمة فتحار ويذهب لبك. "فسافو" لم تعد الشاعرة الحسية التي نعرفها، وهي في أقوالها أقرب إلى الهدوء والنظر الفلسفي الذي يلتمس الأعذار ويحاول فهم النفوس، منها إلى الشاعرة الإغريقية المسرفة العنيفة "التي كانت تحس برغبات الحياة، تسيل تحت إهابها رعشة كلما رأت من تحب" وبليتيس عنده لا تمت إلى شاعره بيير لويس بسبب قريب أو بعيد، فأين التي تقبل على الرجال بحواسها الملتهبة من بليتيس شاعرنا التي كثيرا ما تثور فيها كبرياء النساء؟ وأخيرا أين تاييس التي ترقص وتذهب بألباب الرجال؟
وهرميس -أي خاصية من خواصه- نلمحها فيما عرض الشاعر، اللهم إلا أن تكون قيادته للأرواح؟ ونحن بعد لا ندري لم جعل منه المؤلف في مقدمته

الصفحة 26