كتاب في الميزان الجديد

- ولكنه متعب يا ولدي! أتصدق أني قضيت ليلة أمس لم يغمض لي جفن، وأنا مكب على أوراقي وكتبي والقلم لم يبرح يدي لحظة؟
- كان الله في العون.
- والآن أنا في حاجة إلى التمدد قليلا في الحديقة، أليس لأبداننا علينا حق؟
أية سخرية في هذا الحوار الممتع؟ وأي صدق في تصوير هذا الغرور الملتوي، وذلك التواضع الكاذب؟ هذا حوار كاتب كبير. وتصل مهزلة الأستاذ كنعان الذي يحدثنا الراوي نفسه بأنه عالم كبير إلى غايتها، عندما تتفق الجماعة على السير إلى الجبل لاكتشاف "القصر المسحور" المنحوت في الصخر. ويأتي الصباح والقافلة تنتظر الأستاذ كنعان على باب الفندق، والأستاذ لم يظهر بعد. وقالت "مس إيفانس" نذهب إليه.. "وقصدنا إلى حجرة الأستاذ كنعان، فراعنا صوت غريب يتجاوب في أرجائها، فأنصتنا فإذا به غطيط مزعج يعلو ويهبط في نغمات ساذجة، وفي حشرجة فتقدم "الشيخ عاد" ودق الباب، فلم يجبه إلا الغطيط، وتابع دقه والنائم على حاله يملأ الجو بصوته الكريه وأنفاسه الجافة.
وأخيرًا تقدمت "الراوي" لأعاون الشيخ في دق الباب.. ولكن لا حياة لمن تنادي! وقامت رغبة صادقة في استطلاع سر هذا الغطيط غير الطبيعي، فاستأذنت صديقتي وصديقي وجعلت أنظر من ثقب المفتاح، فإذا بي أرى "الأستاذ كنعان" جالسا على سريره يتميز غيظا وهو منهمك في إرسال غطيطه العجيب، يوهمنا به أنه مستغرق في نوم عميق. فرفعت رأسي وأشرت إلى "مس إيفانس" أن تنظر ففعلت، ثم أشارت هي إلى "الشيخ عاد" أن ينظر ففعل.. وتبادلنا النظرات المصحوبة بالابتسامات، وتركنا المكان نمشي على أطراف الأصابع". ولو أنني رأيتهم في ذلك اليوم لاستغرقت في الضحك، هذه لوحة يجمع الخيال بين عناصرها فتضحك: الأستاذ كنعان الذي يتناوم بل يغط في نومه خوفا من صعود جبل يعرف حصباءه، وهؤلاء الأخوان الذين يرونه من ثقب الباب متربعا على سريره يتميز غيظا وهو منهمك في إرسال غطيطه العجيب! ثم منظرهم وقد تبادلوا النظرات المصحوبة بالابتسامات. ثم يتركون المكان على أطراف الأصابع كي لا يوقظوا الأستاذ! أليست هذه صورًا من واقع الحياة؟ إن شخصية الأستاذ كنعان وكل ما كان لها من أحداث أنموذج بشرى صادق، لو لم يكن في الرواية غيره لكفى لتعتبر من عيون الأدب الواقعي.
فكيف بنا لو نظرنا إلى تلك الشخصية الأخرى العجيبة، شخصية "مجاعص"

الصفحة 35