كتاب في الميزان الجديد

وصف الشاذ القبيح الدال، منه في وصف الجمال. فصفات الجمال كما قلت ألفاظ عامة كلها من نوع الكلمات المبتذلة التي تلوكها ألسن اليافعين واليافعات "فلان زي القمر" و"فلان زي البدر" وأمثال ذلك. وهكذا يقول الراوي عن "مس إيفانس" "وجلست على المقعد متمددة فظهرت معالم جسمها الفاتن وحدقت في السماء بعينيها الصافيتي الزرقة اللتين تكشفان عن عراقة منبت وسلامة قلب، وهذه أوصاف جميلة موحية، أجلها عن الابتذال ولكن هل أفادت تحديدا؟ وهل في لغة الجمال تحديد؟ كم في العالم من "مفاتن جسمية" وكم فيه من "أعين زرق صافية تكشف عن عراقة منبت وسلامة قلب"، ونحن نلتمس للراوي العذر، فهذه مشكلة لا حل لها إلا أن نغير لغة البشر، وهو بعد قد تورط في التعلق "بمس إيفانس" حتى لقد أصابته الغيرة من يوسف. وإلى اليوم ما زلت أفكر في الأثر الذي خلفته بنفسه تلك المغامرة.
نداء المجهول إذن قصة واقعية. واقعية في تفاصيل موضوعها. واقعية في طريقة قصصها واقعية بشخصياتها. ولئن أحاط مس "إيفانس" جو من الشعر فإنه لا يستطيع أن يخفى ما فيها من حقائق نفسية، فهي شخصية نفسية إن لم تكن شخصية من دم ولحم. "نداء المجهول" واقعية بأسلوبها. ولتيمور أسلوب أصيل. أسلوب خطفات دالة موجزة مركزة موحية دقيقة. أتريد أمثلة؟ أذكر أسماء الأعلام وما فيها من بيان، الشيخ عاد والأستاذ كنعان ثم مجاعص، مجاعص بنوع خاص وما فيه من "جعاصة" تدعونا إلى الابتسام المشفق.
وأخيرا صفاء وإن لم نخل من دهشة لاتفاق اسم "الصافي وصفاء" فقد تم في سهولة مسرفة كنت أود لو نجا منها تيمور، ثم أذكر جمله ولوحاته العديدة في القصة: ورأيت الشمس تنحدر الهوينى في الأفق. وقد "أخذ يبتلعها خضم الضباب القاني "وقت الغروب في الجبل" المترامي بأطراف الوديان الزاحف علينا من طلائع الليل". أولست ترى المنظر؟ أولست تحس بزحف الضباب؟! أذكر "الرعاة بوجوههم الطويلة المشدودة البشرة" ثم تصور مجاعص وهو يحاول "إخضاع" لقمة كبيرة حشا بها فمه، وقارن صورته هذه بصورته أثناء الرحلة: "ومر بعد ذلك يومان أيضا وأوشك الزاد أن ينفد على الرغم من تقتيرنا فيما نأكل منه "فيما نأكل منه، حشو هممنا بحذفه" واعترض "مجاعص" وجوم غريب وغشيته كآبة صماء" ولم يعد "يسمعنا مبالغاته المستفيضة في وصف شجاعته والإدلال بخبرته، وتراخى شارباه وانحنت قامته وكان إذا صادفته في الطريق عقبة كئود طمح ببصره إلى السماء وصرخ من أعماق قلبه: الله يخرب القصر ويحرق اللي بناه" ثم هذه اللوحة التي كأنها رسمت بريشة مصور ماهر يعرف كيف يجمع شخصياته ويميز بينهما. لوحة أفراد الرحلة

الصفحة 39