كتاب في الميزان الجديد

وهم بمأوى في إحدى الليالي: "ثم رأينا المأوى وقد بدأت تنيره أشعة القمر فتنهدت طويلا وطفت بعيني فألفيت "مس إيفانس" منكمشة بجواري تدور برأسها الدقيق حولها، وعيناها لامتعان كما تلمع الماسة المصقولة والشيخ "عاد ينظر أمامه نظرا تائها مسترسلا في أحلامه. أما مجاعص فقد كوم نفسه وراح في سبات عميق! ".
وأخيرا دعنا من هفوات الكاتب كقوله عن نرجيلة الأستاذ كنعان ليلة كانوا ينصتون إلى المعلومات التي استطاع الشيخ عاد أن يجمعها عن القصر، ولا تستمع إلى دعواه أنه "انبعث بمائها هدير عال، كأنما هي أيضا تطالبه "تطالب الشيخ عاد" أن يروي لنا حكاية هذه الفاجعة، فاجعة يوسف الصافي".. فهذا ليس صحيحا وما سمعنا أن نرجيلة تهدر مطالبة بقص حكاية، هذا ظن تافه لا ندري كيف وقع فيه تيمور الدقيق الحس الصادق الذوق، ودعنا من العبارات المحفوظة التي أمقتها؛ لأنه لم يعد لها لون وقد أكلها التحات حتى أصبحت لا تدل إلا على الكسل العقلي الذي يحجم عن البحث عن العبارة الدقيقة، وذلك أمثال "يقلب له الدهر يوما ظهر المجن" "ص48" "ولا حياة لمن تنادي" فهي أيضا -على تفاوت في النسب- عبارة بالية، ثم انظر في كل ما بقي، ترَ أسلوبا دقيقا لرجل يعرف أسرار اللغة ويحسن استخدامها. "أصبح عند بعض الناس خرافة ليس لها وجود، وعند بعض آخرين، مكانا تعمره الشياطين"، وتأمل في قوله: بعض الناس.. وبعض آخرين، فهو لم يقل "البعض الآخر" حتى لا يفيد تعميما لا يريده. وأنس لتيمور ابن اللغوي تيمور باشا الجمع "أميال" "ص55" بدلا من "ميول" الدارجة الجميلة ثم تأمل في الصمت "الرازح" "ص65" و"شحيح البغلتين"و"ما عتمت أن غشيني النعاس" "ص8"، "جسمي يشجب دما" "ص82" و"خطين من الدموع يتهاديان على خديه" و"كلمة صفاء المنقوشة في الصخر الأملس تتدفق عليها مياه الينبوع فتدعها تختلج حروفها كأن لها قلبا حيا ينبض" "ص121" و"نار المدفأة تتلاعب على سقف المأوى في أشكال بشعة، وذلك في ليلة هاجت فيها نفس الراوي وتألمت وسمع فيها عواء حسبه صدى "لصوت نفسه العليلة المضطربة" ثم أطال التحديق "بنظرة الشيخ عاد الثابتة" وقد بلغ من ثباتها أن حملت الراوي على أن يصدع بأمر الشيخ رغم ما في أمره في مجازفة خطرة، ثم الشعلة "التي لاحت بقاع البئر كأنها بصيص ثقاب" "ص136" وأخيرا تصور "اليأس يعشش في نفسي" "ص149". أليست هذه كلها أمارة الدقة عند كاتب يعرف كيف يختار ألفاظه ويرسم صوره، كما يعرف فن القصة وأصولها. محمود تيمور كاتب واقعي، كاتب ممتاز، إنني لا أكتم محبتي لأدب هذا الكاتب.

الصفحة 40