كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء: ١٢٤]، ولا ريب أنَّ هذا مذكورٌ في سياق التَّحريض على الأعمال الصَّالحة والاستكثار منها؛ فإنَّ صاحبَها يجزى بها، ولا يُنْقَصُ منها بذرَّة، ولهذا يسمِّيه (¬١) تعالى: تَوْفِيَةً، كقوله: {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: ١٨٥]، وقوله: {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ} [الزمر: ٧٠].
فتركُ الظُّلم هو العدل، لا فِعلُ كلِّ ممكِن، وعلى هذا قام الحساب، ووُضِعَ الموازينُ القِسْط، ووُزِنت الحسناتُ والسيِّئات، وتفاوتت الدَّرجاتُ العُلى بأهلها، والدَّركاتُ السُّفلى بأهلها.
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: ٤٠]، أي: لا يضيعُ جزاءَ من أحسَن ولو بمثقال ذرَّة؛ فدلَّ على أنَّ إضاعتَها وتركَ المجازاة بها (¬٢) مع عدم ما يُبْطِلُها ظلمٌ يتعالى الله عنه. ومعلومٌ أنَّ تركَ المجازاة عليها مقدورٌ يتنزَّه الله عنه؛ لكمال عدله وحكمته. ولا تحتملُ الآيةُ قطُّ غيرَ معناها المفهوم منها.
وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: ٤٦]، أي: لا يعاقِبُ العبدَ بغير إساءته، ولا يَحْرِمُه ثوابَ إحسانه (¬٣). ومعلومٌ أنَّ ذلك مقدورٌ له تعالى.
---------------
(¬١) (ق): «يسمى». (ت، د): «سمى». والمثبت أشبه.
(¬٢) (ت): «وترك الجزاء بها».
(¬٣) (ت): «حسناته».

الصفحة 1130