كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

فأمَّا قولهم: «إنَّ الموجودات في العالم السُّفليِّ مركَّبةٌ على تأثير الكواكب والرُّوحانيات، وفي اتصالها سُعودٌ ونُحوسٌ يوجبُ أن يكون في آثارها حُسْنٌ وقُبحٌ في الأخلاق والأعمال يدركه كلُّ ذي عقلٍ سليم، فلا حاجة لنا إلى من يعرِّفنا حُسْنَها وقُبحَها ... » إلى آخر كلامهم (¬١)؛ فكلامُ من هو أجهلُ النَّاس وأضلُّهم وأبعدُهم عن الإنسانيَّة (¬٢).
وقائلُ هذه المقالة منادٍ على نفسه أنه لم يعرف فاطرَه فاطرَ السموات والأرض، ولا صفاته ولا أفعالَه، بل ولا عرَف نفسَه التي بين جنبَيْه، ولا ما يُسْعِدُها ويُشْقِيها، ولا غايتَها، ولا لماذا خُلِقَت؟ ولا بماذا تكمُل وتصلُح؟ وبماذا تفسُد وتهلَك؟ بل هو أجهلُ الناس بنفسه وبفاطرها وبارئها.
وهل يتمكَّنُ العقلُ بعد معرفة النَّفس ومعرفة فاطرها ومبدعِها أن يجحَد النبوَّة، أو يجوِّز على الله وعلى حكمته أن يترك النَّوعَ البشريَّ ــ الذي هو خلاصةُ المخلوقات ــ سُدى ويدعَهم هملًا معطَّلًا، ويخلقهم عبثًا باطلًا؟!
ومن جوَّز ذلك على الله سبحانه فما قدَرَه حقَّ قَدْرِه، بل ولا عرَفه، ولا آمن به؛ قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: ٦٧]، وقال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٩١]، فأخبَر تعالى أنَّ من جحَد رسالاته فما قَدَرَه حقَّ قَدْرِه ولا عرَفه، ولا عظَّمه، ولا نزَّهه عمَّا لا يليقُ به، تعالى الله عما يقولُ الظَّالمون علوًّا كبيرًا.
---------------
(¬١) انظر ما تقدم (ص: ١٠٠٢).
(¬٢) يعني: حقيقة الإنسان. انظر: «زاد المعاد» (٤/ ١٢).

الصفحة 1173