كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)
هو الطالعُ مساويًا لسائر الأجزاء، وحُكمُ سائر الأجزاء واحدًا (¬١)، وإن كانت الأجزاءُ مختلفةً في الماهيَّة والطبيعة فلا ريب أنَّ الفلَك جِرْمٌ في غاية العظمة، حتى قالوا: إنَّ الرجلَ الشَّديد العَدْو إذا رَفَع رجلَه ووَضعَها يكون الفلَك قد تحرَّك ثلاثةَ آلاف ميل (¬٢).
وإذا كان كذلك، فمِن الوقت الذي ينفصلُ الولدُ من بطن أمِّه إلى أن يأخذَ المنجِّمُ الأصطرلاب (¬٣) ويأخذَ الارتفاعَ يكون الفلَكُ قد تحرَّك مثلَ كلِّ الأرض كذا ألف مرَّة.
وإذا كان الأمرُ كذلك، فالجزءُ الذي يأخذُه المنجِّمُ بالأصطرلاب ليس الجزءَ الطالعَ في الحقيقة (¬٤)، وإذا كانت الأجزاءُ الفلَكيَّة مختلفةً في الطبيعة والماهيَّة عَلِمْنَا أنَّ أخذَ الطوالع محال.
وقد اعترف فضلاؤكم بهذا، وقالوا: إنَّ الأمر وإن كان كذلك إلا أنَّ التجربةَ قد دلَّت على أنَّ هذا الطالعَ الذي تعذَّر على الإنسان تحصيلُه يدلُّ على كثيرٍ من تَقْدِمة (¬٥) المعرفة، مع ما فيه من الخلل الكثير الذي ذكرتم، فوجبَ أن لا يُهْمَل.
---------------
(¬١) (ت): «كان الجزء الذي هو الطالع وحكم سائر الأجزاء واحد».
(¬٢) انظر: «المطالب العالية» (٨/ ١٥٦).
(¬٣) بالصَّاد وبالسين، يونانيةٌ معربة، آلة استعملها الفلكيون القدماء في تعيين مواضع الكواكب، وقياس ارتفاعها، ومعرفة الوقت والجهات الأصلية. انظر: «قصد السبيل» (١/ ١٩٤)، و «المعجم الوسيط» (١٧).
(¬٤) انظر: «أبكار الأفكار» (٢/ ٢٧٢).
(¬٥) في الأصول: «مقدمة». وهو تحريف. وسيأتي بيانها (ص: ١٣١٠).