كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

ولا ريب أن المؤمنَ إذا رأى عدوَّه وعدوَّ محبوبه ــ الذي هو أحبُّ الأشياء إليه ــ في أنواع العذاب والآلام، وهو يتقلَّبُ في أنواع النعيم واللذة= ازدادَ بذلك سرورُه، وعَظُمَت لذتُه وكَمُلت نعمتُه.
* وأيضًا؛ فإنه سبحانه إنما خلق الخلق لعبادته، وهي الغايةُ المطلوبة منهم، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦].
ومعلومٌ أن كمال العبودية المطلوبَ من الخلق لا يحصُل في دار النعيم والبقاء، إنما يحصُل في دار المحنة والابتلاء، وأما دار البقاء فدار لذَّةٍ ونعيم، لا دار ابتلاءٍ وامتحانٍ وتكليف.
* وأيضًا؛ فإنه سبحانه اقتضت حكمتُه خلقَ آدم وذريَّته في تركيبٍ (¬١) مستلزمٍ لداعي الشَّهوة والغضب، وداعي العقل والعلم؛ فإنه سبحانه خلق فيه العقل (¬٢) والشَّهوة ونَصَبَهما داعيَين لمقتضياتهما (¬٣)؛ ليتمَّ مراده، ويظهر لعباده عزَّته في حكمته (¬٤) وجبروته، ورحمته وبرِّه، ولطفه في سلطانه وملكه.
فاقتضت حكمتُه ورحمتُه أنْ أذاقَ أباهم وَبِيلَ مخالفته، وعرَّفه ما تجني عواقبُ إجابة الشَّهوة والهوى؛ ليكون أعظم حذرًا فيها (¬٥) وأشدَّ
هروبًا.
---------------
(¬١) (ق): "من تركيب".
(¬٢) من قوله: "وأيضا فإنه سبحانه" إلى هنا بياض في (د).
(¬٣) (ق): "بمقتضياتهما".
(¬٤) (ت): "عزته وحكمته".
(¬٥) أي: الإجابة. (ت): "فيهما" أي: الهوى والشهوة.

الصفحة 12