كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

ما يدَّعيه لا كذبَ فيه. قال يحيى: وأنا ساكت، فقال لي المأمون: قُل. فقلت: هو في طلب تصحيحه، وله حجةٌ زُهَريَّة وعُطارديَّة، وتصحيحُ ما يدَّعيه لا يتمُّ له. فقال: من أين قلتَ؟ فقلت: لأنَّ صحةَ الدعاوى من المشتري، [ومن تثليث الشمس وتسديسها إذا كانت الشمس غير منحوسة, وهذا الطالع يخالفه؛ لأنه هبوط المشتري] (¬١)، وهو ينظرُ إليه نظرَ (¬٢) موافقة، إلا أنه كارهٌ لهذا البرج، فلا يتمُّ له التصديقُ ولا التصحيح، والذي قاله (¬٣) إنما هو مِنْ حجةٍ عُطارديَّة وزُهَريَّة، وذلك يكونُ من جنس التَّحسين والتَّزويق والخِداع عن غير حقيقة. فقال: لله درُّك. ثمَّ قال: تدرون ما يدَّعي هذا الرجل؟ قلنا: لا. قال: هذا يدَّعي النبوة. فقلت: يا أمير المؤمنين، ومعه شيءٌ يحتجُّ به؟ فسأله، فقال: نعم؛ معي خاتمٌ ذو فصَّين، ألبسُه فلا يتغيَّر منِّي شيء، ويلبسه غيري فلا يتمالكُ من الضَّحك حتى ينزعَه، ومعي قلمٌ شاميٌّ أكتبُ به، ويأخذُه غيري فلا تنطلقُ أصبعُه. فقلت: يا سيدي، هذا عُطاردُ والزُّهَرةُ قد عَمِلا عملَهما. فأمَره المأمونُ فأظهَر ما ادَّعاه منهما، وكان ذلك ضربٌ من الطِّلَّسْمات (¬٤)،
فما زال به المأمونُ أيامًا كثيرةً حتى أقرَّ وتبرَّأ من دعوى النُّبوة، ووَصَف الحيلةَ
---------------
(¬١) من «مختصر تاريخ الدول» (١٣٧)، و «أخبار الحكماء» (٤٨٥)، و «فرج المهموم» (٦٦)، وكأنها سقطت لانتقال النظر أيضًا.
(¬٢) في الأصول: «زحل». وهو تحريف. والتصويب من المصادر السابقة.
(¬٣) (ت) و «فرج المهموم»: «قالوا». (ق): «قالوه». «مختصر تاريخ الدول» و «أخبار الحكماء»: «قال». والمثبت أشبه.
(¬٤) جمع طلَّسم، من السِّحر، خطوطٌ وأعدادٌ يزعم كاتبها أنه يربط بها روحانيات الكواكب العلوية بالطبائع السفلية، لجلب محبوبٍ أو دفع أذى. انظر: «المعجم الوسيط»، و «أبجد العلوم» (٢/ ٣٢٧) ..

الصفحة 1226