كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

هذا مضادٌّ لقوله تعالى: {فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا}، فإن كانت مخاطبتُه آدمَ بما خاطبه به وقاسمه عليه ليس تكبُّرًا فليس تَعْقِلُ العربُ التي نزل القرآن بلسانها ما التكبُّر!
ولعل من ضَعُفَت رويَّته وقَصُرَ بحثُه (¬١) أن يقول: إنَّ إبليسَ لم يَصِل إليها، ولكنَّ وسوستَه وصلت!
فهذا قولٌ يُشْبِهُ قائلَه، ويُشاكِلُ مُعتقِدَه، وقولُ الله تعالى حكمٌ بيننا وبينه، وقولُه تعالى: {وَقَاسَمَهُمَا} يردُّ ما قال؛ لأنَّ المقاسَمة ليست وسوسة، ولكنَّها مخاطبةٌ ومشافَهة، ولا تكونُ إلا من اثنين، شاهدَين (¬٢) غير غائبَين، ولا أحدهما.
ومما يدلُّ على أنَّ وسوستَه كانت مخاطبةً قولُ الله تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ} الآية، فأخبر أنه قال له، ودلَّ ذلك على أنه إنما وسوسَ إليه مخاطبةً، لا أنه أوقَع ذلك في نفسه (¬٣) بلا مقاوَلة، فمن ادَّعى على الظاهر تأويلًا ولم يُقِم عليه دليلًا لم يجب قبولُ قوله.
وعلى أنَّ الوسوسة قد تكونُ كلامًا مسموعًا أو صوتًا قال رؤبة (¬٤):
* وَسْوَسَ يدعو مُخْلِصًا ربَّ الفَلَق *
---------------
(¬١) (ت، ن، ح): "وقصر به بحثه".
(¬٢) (ق): "وشاهدين".
(¬٣) (ت، ح، ن): "بنفسه".
(¬٤) ديوانه (١٠٨).

الصفحة 32