كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)
لما يقال له في قلبه ــ هو سرعتُه وكثرتُه وثباتُه.
والوعاءُ من مادَّة الوعي؛ فإنه آلةُ ما يُوعى فيه، كالغطاء والفراش والبساط ونحوها، ويوصفُ بذلك القلبُ والأذن؛ كقوله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (١١) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة: ١١ - ١٢]، قال قتادة: «أذنٌ سَمِعَت وعَقَلَت عن الله ما سَمِعَت» (¬١)، وقال الفراء: «لتحفظَها كلُّ أذن، فتكونَ عظةً لمن يأتي بعدُ» (¬٢).
فالوعيُ توصفُ به الأذنُ كما يوصفُ به القلب، يقال: «قلبٌ واعٍ، وأذنٌ واعية»؛ لما بين الأذن والقلب من الارتباط، فالعلمُ يدخلُ من الأذن إلى القلب، فهي بابُه والرسولُ المُوصِلُ إليه العلمَ، كما أنَّ اللسانَ رسولُه المؤدِّي عنه (¬٣).
ومن عرفَ ارتباط الجوارح بالقلب علمَ أنَّ الأذنَ أحقُّها بأن توصفَ بالوعي؛ فإنها (¬٤) إذا وَعَت وَعَى القلبُ.
وفي حديث جابرٍ في المثَل الذي ضربته الملائكةُ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ولأمته، وقول الملَك له: «اسمَعْ سَمِعَت أذنُك، واعقِلْ عَقَلَ قلبُك» (¬٥).
---------------
(¬١) أخرجه الطبري (٢٣/ ٥٧٩).
(¬٢) «معاني القرآن» (٣/ ١٨١).
(¬٣) (ت): «الذي يؤدي عنه».
(¬٤) (د , ح، ن): «وأنها».
(¬٥) أخرجه الترمذي (٢٨٦٠)، وابن سعد (١/ ١٤٥)، وغيرهما من حديث جابر.
قال الترمذي: «هذا حديثٌ مرسل؛ سعيد بن أبي هلال لم يدرك جابر». وصححه الحاكم (٢/ ٣٣٨ , ٤/ ٣٩٣) من وجهين فيهما إثباتُ واسطةٍ بين سعيد وجابر. ولم يتعقبه الذهبي. والمرسل أشبه.
وله شاهد من حديث ربيعة الجرشي رضي الله عنه، عند الطبراني في «الكبير» (٥/ ٦٥)، وجوَّد إسناده الحافظ في «الفتح» (١٣/ ٢٥٦). وانظر: «تغليق التعليق» (٥/ ٣٢٠). وأخرجه الطبري (١٥/ ٦٠) عن أبي قلابة مرسلًا , بإسقاط ربيعة , وهو أصح.