كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

واحتجَّ من نصر هذا بما رواه مسلمٌ في "صحيحه" (¬١) من حديث أبي مالكٍ الأشجعيِّ، عن أبي حازم، عن أبي هريرة. وأبي مالك عن رِبْعِيِّ بن حِرَاش، عن حذيفة، قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يجمعُ الله عز وجل النَّاس، فيقومُ المؤمنون حتى تُزْلَفَ لهم الجنة، فيأتون آدمَ عليه السلام، فيقولون: يا أبانا استفتح لنا الجنة، فيقول: وهل أخرجَكم من الجنة إلا خطيئةُ أبيكم آدم؟ ... " وذكر الحديث.
قالوا: فهذا يدلُّ على أنَّ الجنة التي أُخْرِج منها آدمُ هي بعينها التي يُطلبُ منه أن يستفتحها لهم.
قالوا: ويدلُّ عليه أنَّ الله سبحانه قال: {يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} إلى قوله: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}، فهذا يدلُّ على أنَّ هبوطَهم (¬٢) كان من الجنة إلى الأرض، من وجهين:
أحدهما: من لفظ قوله: {اهْبِطُوا}، فإنَّ الهبوطَ نزولٌ من عُلْوٍ إلى سُفْل (¬٣).
والثاني: قوله: {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ} عقيب قوله: {اهْبِطُوا}، فدلَّ على أنهم لم يكونوا أوَّلًا في الأرض.
وأيضًا؛ فإنه سبحانه وصَف الجنةَ التي أُسْكِنَها آدمُ بصفاتٍ لا تكونُ في الجنة الدنيوية، فقال تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (١١٨) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ
---------------
(¬١) (١٩٥).
(¬٢) (ق): "هبوطه".
(¬٣) (ق، ن): "سفول". (ح): "أسفل".

الصفحة 38