كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)
فقلتُ لهم: ظُنُّوا بألفَيْ مقاتلٍ ... سَراتُهمُ في الفارسيِّ المُسَرَّد
أي: استيقِنوا بهذا العدد.
وأبى ذلك طائفة، وقالوا: لا يكونُ اليقينُ إلا للعلم.
وأمَّا الظن، فمنهم من وافق على أنه يكونُ بمعنى العلم.
ومنهم من قال: لا يكون (¬١) الظنُّ في موضع اليقين. وأجابوا عمَّا احتجَّ به من جوَّز ذلك بأن قالوا: هذه المواضعُ التي زعمتم أنَّ الظنَّ وقع فيها موقعَ اليقين كلُّها على بابها؛ فإنَّا لم نجد ذلك إلا في علمٍ بمُغيَّب، ولم نجدهم يقولون لمن رأى الشيء: «أظنُّه»، ولمن ذاقه: «أظنُّه»، وإنما يقالُ لغائبٍ قد عُرِفَ بالسَّمع والعقل (¬٢)، فإذا صار إلى المشاهدة امتنع إطلاقُ الظنِّ عليه.
قالوا: وبين العِيان والخبر مرتبةٌ متوسِّطةٌ باعتبارها أُوقِعَ على العلم بالغائب الظنُّ؛ لفقد الحال التي تحصل لِمُدْرِكه بالمشاهدة.
وعلى هذا أُخرِجَت (¬٣) سائرُ الأدلَّة التي ذكرتموها.
ولا يَرِدُ على هذا قولُه: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} لأن الظنَّ إنما وقع على مُواقَعَتها (¬٤)، وهي غيبٌ حال الرؤية، فإذا واقعوها لم يكن ذلك ظنًّا، بل حقُّ يقين.
---------------
(¬١) من قوله: «بمعنى العلم» إلى هنا، ساقط من (ح، ن).
(¬٢) في الأصول: «بالسمع والعلم». تحريف. انظر: «الصواعق» (٨٧٠).
(¬٣) (ت، د): «خرجت».
(¬٤) (ت، ن): «مواقعها». (ق): «مواقعوها».