كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)
مناسك الحجِّ وقد حَوَّل قفاه إليهم، ثمَّ قال سليمان لابنيه: قُوما، فقاما، فقال: يا بَنِيَّ، لا تَنِيا في طلب العلم؛ فإني لا أنسى ذُلَّنا بين يدي هذا العبد الأسود.
قال الحربي: وكان محمدُ بن عبد الرحمن الأوقص (¬١) عنقُه داخلٌ في بدنه، وكان منكباه خارجَيْن كأنهما زُجَّان (¬٢)، فقالت له أمُّه: يا بنيَّ، لا تكونُ في مجلس قومٍ إلا كنتَ المضحوكَ منه المسخورَ به، فعليك بطلب العلم فإنه يرفعك. فوَلِيَ قضاءَ مكة عشرين سنة.
قال: وكان الخصمُ إذا جلس إليه بين يديه يَرْعُد حتى يقوم.
قال: ومرَّت به امرأةٌ يومًا وهو يقول: اللهمَّ أعتق رقبتي من النار، فقالت له: يا ابنَ أخي، وأيُّ رقبةٍ لك؟! (¬٣).
وقال يحيى بن أكثم: قال الرشيد: ما أنبلُ المراتب؟ قلت: ما أنت فيه يا أمير المؤمنين. قال: فتعرفُ أجلَّ منِّي؟ قلت: لا. قال: لكنِّي أعرفُه؛ رجلٌ في حَلْقةٍ يقول: حدثنا فلانٌ عن فلانٍ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: قلت: يا أمير المؤمنين، أهذا خيرٌ منك وأنت ابن عمِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووليُّ عهد المسلمين؟! قال: نعم، ويلك، هذا خيرٌ منِّي؛ لأنَّ اسمَه مقترنٌ باسم رسول الله، لا يموتُ أبدًا، ونحن نموتُ ونفنى، والعلماءُ باقون ما بقي الدهر (¬٤).
---------------
(¬١) المخزومي القرشي (ت: ١٦٩). ترجمته في «تاريخ دمشق» (٥٤/ ١٠٢)، و «أخبار القضاة» لوكيع (١/ ٢٦٤)، وغيرهما.
(¬٢) الزُّجُّ: الحديدة التي في أسفل الرمح. «اللسان» (زجج).
(¬٣) أخرج النصَّ بطوله (خبر عطاء، والأوقص) عن الحربي الخطيبُ في «الفقيه والمتفقه» (١/ ١٤٠).
(¬٤) أخرجه الخطيب في «شرف أصحاب الحديث» (٢١٩).