كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)
وكذلك إذا فكَّر في آخر الأطعمة المُفْتَخَرة (¬١) التي تفانت عليها نفوسُ أشباه الأنعام، وما يصيرُ أمرُها إليه عند خروجها؛ ارتفعت همَّتُه عن صرفها إلى الاعتناء بها، وجَعْلِها معبودَ قلبه (¬٢) الذي إليه يتوجَّه، وله يرضى ويغضب، ويسعى ويكدح، ويوالي ويعادي؛ كما جاء في «المسند» (¬٣) عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إنَّ الله جَعَل طعامَ ابن آدم مَثَل الدنيا وإنْ قَزَحَه (¬٤) ومَلَّحَه فإنه يعلمُ إلى ما يصير» أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -؛ فإذا وقع فكرُه على عاقبة ذلك وآخر أمره، وكانت نفسُه حُرَّةً أبيَّة، ربأ بها أن يجعلها عبدًا لما آخرُه أنتنُ شيءٍ وأخبثُه وأفحشُه.
فصل (¬٥)
إذا عُرِفَ هذا، فالفكرُ هو إحضارُ معرفتين في القلب، ليستثمر (¬٦) منهما معرفة ثالثة.
ومثالُ ذلك: إذا أَحْضَرَ في قلبه العاجلةَ وعيشَها ونعيمَها وما يقترنُ به من الآفات وانقطاعه وزواله، ثمَّ أَحْضَرَ في قلبه الآخرةَ ونعيمَها ولذَّتها
---------------
(¬١) أي: الفاخرة، من الافتخار. تعبيرٌ مولَّد.
(¬٢) (ت): «معبودة قلبه».
(¬٣) (٥/ ١٣٦) من زوائد عبد الله، و «الحلية» لأبي نعيم (١/ ٢٥٤)، وغيرهما من حديث أبي بن كعب.
وصححه ابن حبان (٧٠٢)، وخرَّجه الضياء في «المختارة» (١٢٤٥).
ورُوِي موقوفًا من وجهٍ أصح. انظر: «المرسل الخفي» (٢/ ٦٣٢).
(¬٤) أي: جعل فيه الأقزاح (جمع قِزْح)، وهي التوابل والأبازير. «اللسان».
(¬٥) مستفاد من «الإحياء» (٤/ ٤٢٥).
(¬٦) (ت): «تستثمر».