كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)
لقد تعرَّف إلى خَلْقه بأنواع التَّعرُّفات، ونَصَب لهم الدَّلالات، وأوضحَ لهم الآيات البيِّنات؛ {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال: ٤٢].
* * *
فارجِع البصرَ إلى السَّماء (¬١) وانظر فيها وفي كواكبها ودورانها، وطلوعها وغروبها، وشمسها وقمرها، واختلاف مشارقها ومغاربها، ودُؤوبها في الحركة على الدَّوام مِنْ غير فُتورٍ في حركتها ولا تغيُّرٍ في سَيْرها، بل تجري في منازل قد رُتِّبت لها بحسابٍ مقدَّرٍ لا يزيدُ ولا ينقصُ إلى أن يَطْوِيها فاطرُها وبديعُها.
وانظر إلى كثرة كواكبها، واختلاف ألوانها ومقاديرها، فبعضُها يميل إلى الحُمْرة، وبعضُها إلى البياض، وبعضُها إلى اللون الرَّصاصيِّ.
ثمَّ انظر إلى مسير الشمس في فَلَكها في مدَّة سنة، ثمَّ هي في كلِّ يومٍ تطلعُ وتغربُ بسَيرٍ سخَّرها له خالقُها، لا تتعدَّاه ولا تَقْصُرُ عنه، ولولا طلوعُها وغروبها لما عُرِفَ الليلُ والنهارُ ولا المواقيت، ولأطبقَ الظلامُ (¬٢) على العالم أو الضياء، ولم يتميَّز وقتُ المَعاش عن وقت السُّبات والراحة.
وكيف قدَّر لها العزيزُ العليمُ سَفَرين متباعدَين:
أحدهما: سفرُها صاعدةً إلى أوْجِها (¬٣).
---------------
(¬١) «الإحياء» (٤/ ٤٤٥).
(¬٢) (ت): «ولا نطبق الظلام». والمثبت من باقي النسخ و «الإحياء».
(¬٣) الأوج: العُلو. معرَّب «أوگ» بالكاف الفارسية. انظر: «برهان قاطع» (١/ ١٨١)، و «مفاتيح العلوم» (٢٢١)، و «الألفاظ الفارسية» لأدي شير (١٣).
وذهب الخفاجي في «شفاء العليل» (١٥) وتبعه المحبِّي في «قصد السبيل» (١/ ٢٢٢) إلى أنه معرَّب «أود». قال شيخنا الإصلاحي: وهو خطأ. و «أود» بالفارسية تعني العِوَج.
الصفحة 564
1889