كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

وجعلها كِفاتًا للأحياء تضمُّهم على ظهرها ما داموا أحياءً، وكِفاتًا للأموات تضمُّهم في بطنها إذا ماتوا، فظهرُها وطنٌ للأحياء وبطنُها وطنٌ للأموات.
وقد أكثرَ تعالى من ذكر الأرض في كتابه، ودعا عبادَه إلى النَّظر إليها والتفكُّر في خلقها؛ فقال تعالى: {وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} [الذاريات: ٤٨]، {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا} [غافر: ٦٤]، {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا} [البقرة: ٢٢]، {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية: ١٧ - ٢٠]، {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الجاثية: ٣]. وهذا كثيرٌ في القرآن.
فانظر إليها وهي ميتةٌ هامدةٌ خاشعة (¬١)، فإذا أنزل عليها (¬٢) الماءَ اهتزَّت فتحرَّكت، ورَبَت فارتفعت، واخضرَّت وأنبتت من كلِّ زوجٍ بهيج، فأخرجت عجائبَ النَّبات في المنظر والمَخْبر، بهيج للناظرين، كريم للمتناولين، فأخرجت الأقواتَ على اختلافها وتبايُن مقاديرها وأشكالها وألوانها ومنافعها، والفواكهَ والثِّمار، وأنواعَ الأدوية، ومراعي الدَّوابِّ والطَّير.
ثمَّ انظر إلى قِطَعِها المتجاورات، وكيف ينزلُ عليها ماءٌ واحدٌ فتُنبِتُ الأزواجَ المختلفةَ المتباينةَ في اللون والشَّكل والرائحة والطَّعم والمنفعة، واللِّقاحُ واحدٌ، والأمُّ واحدة؛ كما قال تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الرعد: ٤].
---------------
(¬١) «هامدة» ليست في (د، ق، ت).
(¬٢) (ق، ت، د، ح): «فإذا أنزلنا عليها».

الصفحة 570