كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

فكيف كانت هذه الأجنَّة المختلفةُ مُودَعةً في بطن هذه الأمِّ؟! وكيف كان حملُها من لقاحٍ واحد؟! صُنعَ الله الذي أتقنَ كلَّ شيء، لا إله إلا هو.
ولولا أنَّ هذا من أعظم آياته لما نبَّه عليه عبادَه، وحدَاهم (¬١) إلى التفكُّر فيه؛ قال الله تعالى: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج: ٥ - ٧]؛ فجعَل النظر في هذه الآية وما قبلها مِنْ خَلْق الجنين دليلًا على هذه النَّتائج الخمس، مستلزمًا للعلم بها.
ثمَّ انظرهُ كيف أحكمَ جوانبَ الأرض بالجبال الراسيات الشَّوامخ الصُّمِّ الصِّلاب، وكيف نَصَبَها فأحسنَ نَصْبَها، وكيف رَفَعَها وجعلها أصلبَ أجزاء الأرض؛ لئلَّا تضمَحِلَّ على تطاوُل الزمان (¬٢) وترادُف الأمطار والرِّياح، بل أتقنَ صُنعَها وأحكَم وضعَها، وأودعها من المنافع والمعادن والعيون ما أودعها، ثمَّ هدى النَّاسَ إلى استخراج تلك المعادن منها، وألهمَهم كيف يصنعونَ منها النُّقودَ والحُلِيَّ والزِّينةَ واللباسَ والسِّلاحَ وآلات المعاش على اختلافها، ولولا هدايتُه سبحانه لهم إلى ذلك لمَا كان لهم عِلمُ شيءٍ منه ولا قدرةٌ عليه.
* * *
---------------
(¬١) (ن): «وهداهم». (ح): «ودعاهم».
(¬٢) (ن، ح): «تطاول السنين».

الصفحة 571