كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

فصل (¬١)

ثمَّ تأمَّل اختلافَ سَير الكواكب وما فيه (¬٢) من العجائب، كيف تجدُ بعضها لا يسيرُ إلا مع رُفقته، ولا ينفردُ عنهم بسَيره أبدًا (¬٣)، بل لا يسيرون إلا جميعًا، وبعضها يسيرُ سيرًا مطلقًا غير مقيَّدٍ برفيقٍ ولا صاحب، بل إذا اتفق له مصاحبتُه في منزلٍ رافقَه فيه (¬٤) ليلةً وفارقَه الليلةَ الأخرى، فبينا تراهُ رفيقَه وقرينَه إذ رأيتهما مفترقَين متباعدَين كأنهما لم يتصاحبا قطُّ.
وهذه السيَّارةُ لها في سَيرها سَيران مختلفان غايةَ الاختلاف: سيرٌ عامٌّ يسيرُ بها فلَكُها، وسيرٌ خاصٌّ تسيرُ هي في فلَكها؛ كما شبَّهوا ذلك بنملةٍ تَدِبُّ على رحًى ذاتَ الشمال (¬٥)، والرَّحى تأخذُ ذاتَ اليمين، فللنملة في ذلك حركتان مختلفتان إلى جهتين متباينتَين: إحداهما: بنفسها، والأخرى: مُكرَهةٌ عليها تبعًا للرَّحى، تجذبها إلى غير جهة قصدِها (¬٦). وبذلك يجعلُ التقدُّم (¬٧) فيها كلَّ منزلةٍ إلى جهة الشرق، ثمَّ يسيرُ فلَكُها وبمنزلتها إلى جهة الغَرب.
---------------
(¬١) «الدلائل والاعتبار» (٨)، «توحيد المفضل» (٨٢ - ٨٤).
(¬٢) (ح): «وما فيها».
(¬٣) (ح، ن): «ولا يفرد عنهم سيره أبدا».
(¬٤) (ح، ن): «وافقه فيه».
(¬٥) (ح، ن): «ذات اليمين وذات الشمال».
(¬٦) (ر، ض): «إحداهما بنفسها متوجهة أمامها، والأخرى مستكرهة مع الرحى تجذبها إلى خلفها».
(¬٧) (ت، ح): «التقديم».

الصفحة 600