كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)
فصل (¬١)
ثمَّ تأمَّل حكمةَ الله عزَّ وجلَّ في عِزَّة هذين النقدين: الذَّهب والفضة، وقصور حيلة (¬٢) العالَم عما حاولوا من صَنْعَتهما والتشبُّه بخَلْق الله إياهما، مع شدَّة حرصهم وبلوغ أقصى جهدهم واجتهادهم في ذلك، فلم يظفروا بسوى الصِّبغة (¬٣).
ولو مُكِّنوا من أن يصنعوا مثلَ ما خَلَق الله من ذلك لفَسَد أمرُ العالَم، واستفاض الذَّهبُ والفضةُ في النَّاس حتى صارا كالشَّقَف (¬٤) والفَخَّار، وكانت تتعطَّل المصلحةُ التي وُضِعَا لأجلها، وكانت كثرتُهما جدًّا سببَ تعطُّل الانتفاع بهما؛ فإنه لا يبقى لهما قيمة (¬٥)، ويبطُل كونُهما قِيَمًا لنفائس
---------------
(¬١) «الدلائل والاعتبار» (١٤ - ١٥)، «توحيد المفضل» (٩٨).
(¬٢) (ح): «حيرة». (ت): «همة».
(¬٣) (ق، د): «الضيعة». (ت): «الصيغة». والمثبت أدنى إلى الصواب. فإن غاية ما يمكنهم هو صبغ النحاس مثلًا بصبغ الفضة. انظر: «تفسير ابن كثير» (٦/ ٢٦٧٥)، و «البداية والنهاية» (٢/ ٢٠٤)، و «شرح المقاصد» للتفتازاني (١/ ٣٧٤). وكان أصحاب هذه الصناعة يقولون عن أنفسهم: «نحن صبَّاغون»! «مجموع الفتاوى» (٢٩/ ٣٦٩).
وفي (ح، ن): «الصنعة»، وهي قراءة محتملة؛ فالكيمياء يشبَّه فيها المصنوع بالمخلوق. قال ابن تيمية: «ومن زعم أن الذهب المصنوع مثل المخلوق فقوله باطلٌ في العقل والدين». «الفتاوى» (٢٩/ ٣٦٨). وكانت كتب الكيمياء تسمى «كتب الصَّنعة». انظر: المقالة العاشرة من «الفهرست» للنديم، و «مجموع الفتاوى» (٢٩/ ٣٧٨).
(¬٤) وهو الخزف المكسَّر. «اللسان» (شقف).
(¬٥) (ح، ن): «قيمة نفيسة».