كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)
العنب وأعمُّ نفعًا وأجدى على أهله كالمدينة (¬١) والحجاز والعراق، والعنبُ في مَعْدِنه ومحلِّ سلطانه أفضلُ وأعمُّ نفعًا وأجدى على أهله كالشام والجبال والمواضع الباردة التي لا تقبلُ النَّخل (¬٢).
وحضرتُ مرَّةً في مجلسٍ بمكَّة ــ شرَّفها الله تعالى ــ فيه من أكابر البلد، فجَرَت هذه المسألة (¬٣)، وأخذ بعضُ الجماعة الحاضرين يُطْنِبُ في تفضيل النَّخلِ وفوائده، وقال في أثناء كلامه: ويكفي في تفضيله أنَّا نشتري بِنَواهُ العنبَ؛ فكيف يفضَّلُ عليه ثمرٌ يكون نواهُ ثمنًا له؟! (¬٤).
وقال آخرُ من الجماعة: قد فَصَل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - النِّزاعَ في هذه المسألة، وشفى فيها بنَهْيِه عن تسمية شجر العنب كَرْمًا، وقال: «الكَرْمُ قلبُ المؤمن» (¬٥)، فأيُّ دليلٍ أبينُ من هذا؟! وأخذوا يبالغون في تقرير ذلك.
---------------
(¬١) في الأصول: «بالمدينة». تحريف. وسيرد على الصواب في قوله: «كالشام».
(¬٢) انظر: «النخلة» لأبي حاتم السجستاني (٤٢، ٤٦)، و «طريق الهجرتين» (٨٠٨)، و «زاد المعاد» (٤/ ٣٩٩)، و «تهذيب السنن» (١٣/ ٢١٨).
(¬٣) وقد جرت من قبلُ في مجلس عمر بن الخطاب رضي الله عنه. انظر: «الحيوان» (٦/ ١٤٠)، و «غريب الحديث» لابن قتيبة (١/ ٢٨١)، و «اللآلي» للبكري (٢/ ٦٩٠)، وغيرها.
وفي «العقود اللؤلؤية» (٢/ ٢٦٣) خبرُ مناظرةٍ أخرى حول المسألة في مجلس أحد أمراء الدولة الرسولية باليمن.
وللقاضي جمال الدين الريمي (ت: ٧٩١) رسالة بعنوان: «تحفة أهل الأدب في تفضيل العنب على الرطب». انظر: حاشية الرملي على «أسنى المطالب» (٢/ ٣٩٣)، و «نهاية المحتاج» (٥/ ٢٤٦).
(¬٤) قلب بعضهم هذا الدليل. انظر: «بهجة المجالس» (١/ ١٣٠).
(¬٥) أخرجه البخاري (٦١٨٣)، ومسلم (٢٢٤٧) من حديث أبي هريرة.