كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)
تُتَّخَذُ من ثمر كلِّ النَّخيل والأعناب؛ كما قال تعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} [النحل: ٦٧]، وقال أنسٌ رضي الله عنه: «نَزَل تحريمُ الخمر وما بالمدينة من شراب الأعناب شيءٌ، وإنما كان شرابُ القوم الفضيخَ المتَّخذَ من التَّمر» (¬١).
فلو كان نهيُه - صلى الله عليه وسلم - عن تسمية شجر العنب كَرْمًا لأجل المُسْكِر (¬٢) لم يشبِّه النَّخلةَ بالمؤمن؛ لأنَّ المُسْكِرَ يُتَّخَذُ منها، والله أعلم.
الوجهُ السَّادس من وجوه التشبيه: أنَّ النَّخلةَ أصبرُ الشجر على الرياح والجَهْد، وغيرُها من الدَّوْح العِظام تُمِيلها الرِّيحُ تارة، وتَقْلَعُها تارة، وتَقْصِفُ أفنانَها، ولا صبرَ لكثيرٍ منها على العطش كصبر النَّخلة (¬٣)؛ فكذلك المؤمنُ صبورٌ على البلاء لا تُزَعْزِعُه الرياح.
السَّابع: أنَّ النَّخلةَ كلها منفعةٌ لا يسقطُ منها شيءٌ بغير منفعة، فثمرها (¬٤) منفعةٌ، وجِذْعُها فيه من المنافع ما لا يُجْهَلُ للأبنية والسُّقوف وغير ذلك، وسَعَفُها يُسْقَفُ به البيوتُ مكان القَصَب، ويُسْتَرُ به الفُرَجُ (¬٥) والخَلَل، وخُوصُها يُتَّخَذُ منه المَكاتِلُ والزَّنابيلُ وأنواعُ الآنية والحُصُرُ وغيرُها، ولِيفُها وكَرَبُها فيه من المنافع ما هو معلومٌ عند النَّاس.
---------------
(¬١) أخرجه بنحوه البخاري (٢٤٦٤، ٥٥٨٠)، ومسلم (١٩٨٠، ١٩٨١).
(¬٢) (ت): «السكر».
(¬٣) (ت): «ولا صبر لها، ولا للمثمر منها على العطش».
(¬٤) (ق): «فتمرها». (ت): «فثمرتها».
(¬٥) (ت): «الفروج».