كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

ولذلك (¬١) ترى فِراخَ كثيرٍ من الطَّير ــ كالدَّجاج، والدُّرَّاج، والقَبَج (¬٢) ــ يَدْرُجُ ويَلْقُطُ حين يخرجُ من البيضة (¬٣).
وما كان منها ضعيفَ النُّهوض ــ كفِراخ الحمَام واليَمَام ــ أعطى سبحانه أمَّهاتها من فضل العطف (¬٤) والشَّفقة والحنان ما تَمُجُّ به الطُّعْمَ في أفواه الفِراخ من حَواصِلها؛ فتَخْبَؤه في أعزِّ مكانٍ منها، ثمَّ تَسُوقُه من فِيها إلى أفواه الفِراخ، ولا يزالُ بها كذلك (¬٥) حتى ينهض الفرخُ ويستقلَّ بنفسه، وذلك كلُّه من حظِّها وقَسْمِها الذي وَصَلَ إليها من الرَّحمة الواحدة من المئة (¬٦).
فإذا استقلَّ بنفسه وأمْكَنه الطَّيرانُ لم يَزَل به الأبوان يعالجانه أتمَّ معالجةٍ وألطفَها حتى يطيرَ من وَكْرِه، ويسترزق لنفسه، ويأكل من حيثُ يأكلان، وكأنهما لم يعرفاهُ ولا عرفهما قطُّ (¬٧)، بل يطردانه عن الوَكْر ولا يدعانه وأقواتَهما وبيتَهما، بل يقولان له بلسانٍ يَفْهَمُه: اتَّخِذ لك وَكْرًا وقُوتًا، فلا وَكْر لك عندنا ولا قُوت!
فسَلِ المعطِّل: أهذا كلُّه عن إهمال؟! ومن الذي ألهمها ذلك؟! ومن الذي عَطَّفها على الفِراخ وهي صغارٌ أحوجَ ما كانت إليها، ثمَّ سَلَبَ ذلك
---------------
(¬١) (ح، ت، ن، ض): «وكذلك».
(¬٢) الدُّرَّاج: ضربٌ من الطير على خِلْقة القَطا إلا أنه ألطف. والقبج: الحَجَل. «اللسان». وسقط من (ح، ن): «والقبج».
(¬٣) (ر): «حين ينقات عنها البيض». (ض): «حين تنقاب عنها البيضة».
(¬٤) (ن، ح): «من فضله العطف».
(¬٥) (ت): «ولا يزال بها ذلك».
(¬٦) كما في حديث أبي هريرة عند البخاري (٦٠٠٠)، ومسلم (٢٧٥٢).
(¬٧) (ت): «لم يعرفانها ولا عرفاه قط».

الصفحة 672