كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 1)

غَيْرَ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ قَالُوا: إِنِ احْتَاجَ إِنْسَانٌ إِلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُطْرِقُ لَهُ، جَازَ أَنْ يَبْذُل الْكِرَاءَ، وَلَيْسَ لِلْمُطْرِقِ أَخْذُهُ. قَال عَطَاءٌ: لاَ يَأْخُذُ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَهُ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُطْرِقُ لَهُ، وَلأَِنَّ ذَلِكَ بَذْل مَالٍ لِتَحْصِيل مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهَا. وَقَالُوا: إِنْ أَطْرَقَ إِنْسَانٌ فَحْلَهُ بِغَيْرِ إِجَارَةٍ وَلاَ شَرْطٍ، فَأُهْدِيَتْ لَهُ هَدِيَّةٌ، فَلاَ بَأْسَ. (1)
وَنُقِل عَنْ مَالِكٍ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَأَبِي الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ الْجَوَازُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ، تَشْبِيهًا لَهُ بِسَائِرِ الْمَنَافِعِ، وَلِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ، كَإِجَارَةِ الظِّئْرِ لِلرَّضَاعِ، وَلأَِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَبَاحَ بِالإِْعَارَةِ، فَجَازَ أَنْ يُسْتَبَاحَ بِالإِْجَارَةِ، كَسَائِرِ الْمَنَافِعِ. (2)
وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ تُفْضِيَ إِجَارَةُ الْحَيَوَانِ إِلَى بَيْعِ عَيْنٍ مِنْ نِتَاجِهِ، كَتَأْجِيرِ الشَّاةِ لأَِخْذِ لَبَنِهَا؛ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ الأَْصْلِيَّ فِي عَقْدِ الإِْجَارَةِ هُوَ الْمَنْفَعَةُ لاَ الأَْعْيَانُ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: تَجُوزُ إِجَارَةُ الْحَيَوَانِ لِلَبَنِهِ، وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي الْمَذْهَبِ (3) .

الْفَرْعُ الثَّالِثُ
إِجَارَةُ الأَْشْخَاصِ
102 - إِجَارَةُ الأَْشْخَاصِ تَقَعُ عَلَى صُورَتَيْنِ: أَجِيرٌ خَاصٌّ اسْتُؤْجِرَ عَلَى أَنْ يَعْمَل لِلْمُسْتَأْجِرِ فَقَطْ
__________
(1) الفتاوى الهندية 4 / 454، والمهذب 1 / 394، والمغني 6 / 133، 134، وكشاف القناع 3 / 471
(2) بداية المجتهد 2 / 245، والمهذب 1 / 394 الفتاوى الهندية 4 / 445، 446، وكشاف القناع 3 / 471،
(3) ومنهاج الطالبين 3 / 68
وَيُسَمِّيهِ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ " أَجِيرُ الْوَحْدِ " كَالْخَادِمِ وَالْمُوَظَّفِ، وَأَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ يُكْتَرَى لأَِكْثَرَ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ بِعُقُودٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَلاَ يَتَقَيَّدُ بِالْعَمَل لِوَاحِدٍ دُونَ غَيْرِهِ، كَالطَّبِيبِ فِي عِيَادَتِهِ، وَالْمُهَنْدَسِ وَالْمُحَامِي فِي مَكْتَبَيْهِمَا. وَالأَْجِيرُ الْخَاصُّ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً عَلَى الْمُدَّةِ. أَمَّا الأَْجِيرُ الْمُشْتَرَكُ فَيَسْتَحِقُّ أُجْرَةً عَلَى الْعَمَل غَالِبًا. وَسَيَأْتِي تَفْصِيل ذَلِكَ.

الْمَطْلَبُ الأَْوَّل
الأَْجِيرُ الْخَاصُّ
103 - الأَْجِيرُ الْخَاصُّ: هُوَ مَنْ يَعْمَل لِمُعَيَّنٍ عَمَلاً مُؤَقَّتًا، وَيَكُونُ عَقْدُهُ لِمُدَّةٍ. وَيَسْتَحِقُّ الأَْجْرَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ؛ لأَِنَّ مَنَافِعَهُ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لِمَنِ اسْتَأْجَرَهُ فِي مُدَّةِ الْعَقْدِ (1) .
وَكَرِهَ الْحَنَفِيَّةُ اسْتِئْجَارَ الْمَرْأَةِ لِلْخِدْمَةِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُؤْمَنُ مَعَهُ الاِطِّلاَعُ عَلَيْهَا وَالْوُقُوعُ فِي الْمَعْصِيَةِ، وَلأَِنَّ الْخَلْوَةَ بِهَا مَعْصِيَةٌ.
وَأَجَازَ أَحْمَدُ اسْتِئْجَارَهَا، وَلَكِنْ يَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنِ النَّظَرِ إِلَى مَا لاَ يَحِل لَهُ النَّظَرُ إِلَيْهِ، كَمَا أَنَّهُ لاَ يَخْلُو مَعَهَا فِي مَكَانٍ اتِّقَاءً لِلْفِتْنَةِ. (2)
104 - وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الأَْجِيرُ ذِمِّيًّا وَالْمُسْتَأْجِرُ مُسْلِمًا بِلاَ خِلاَفٍ. أَمَّا أَنْ يَكُونَ الأَْجِيرُ مُسْلِمًا وَالْمُسْتَأْجِرُ ذِمِّيًّا فَقَدْ أَجَازَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ وَضَعُوا مِعْيَارًا خَاصًّا هُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَمَل الَّذِي يُؤَجِّرُ
__________
(1) شرح الدر 2 / 197، والهداية 3 / 245، والمهذب 1 / 408، والقليوبي 3 / 81، وحاشية الدسوقي 4 / 81، والمغني مع الشرح الكبير 6 / 41
(2) البدائع 4 / 189، وحاشية الدسوقي 4 / 21، وكشاف القناع 3 / 459

الصفحة 288