كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 1)
طَبِيبٍ إِذَا تَوَافَرَ أَنَّهُمْ ذَوُو حِذْقٍ فِي صِنَاعَتِهِمْ وَأَلاَّ يَتَجَاوَزُوا مَا يَنْبَغِي عَمَلُهُ. فَإِنْ تَحَقَّقَ هَذَانِ الشَّرْطَانِ فَلاَ ضَمَانَ؛ لأَِنَّ فِعْلَهُمْ مَأْذُونٌ فِيهِ.
أَمَّا إِنْ كَانَ الْحَجَّامُ وَنَحْوُهُ حَاذِقًا وَتَجَاوَزَ، أَوْ لَمْ يَكُنْ حَاذِقًا، ضَمِنَ، لأَِنَّهُ إِتْلاَفٌ لاَ يَخْتَلِفُ ضَمَانُهُ بِالْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، فَأَشْبَهَ إِتْلاَفَ الْمَال، وَلأَِنَّهُ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ فَيَضْمَنُ سِرَايَتَهُ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَلاَ نَعْلَمُ فِيهِ خِلاَفًا.
142 - وَاسْتِئْجَارُ الْحَجَّامِ لِغَيْرِ الْحِجَامَةِ كَالْفَصْدِ وَحَلْقِ الشَّعْرِ وَتَقْصِيرِهِ وَالْخِتَانِ وَقَطْعِ شَيْءٍ مِنَ الْجَسَدِ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ، جَائِزٌ بِغَيْرِ خِلاَفٍ؛ لأَِنَّ هَذِهِ الأُْمُورَ تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهَا، وَلاَ تَحْرُمُ فِيهَا، فَجَازَتِ الإِْجَارَةُ فِيهَا وَأَخْذُ الأَْجْرِ عَلَيْهَا. (1)
143 - وَاسْتِئْجَارُ الطَّبِيبِ لِلْعِلاَجِ جَائِزٌ، وَأَخْذُهُ أَجْرًا عَلَى ذَلِكَ مُبَاحٌ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ خَطَؤُهُ نَادِرًا كَمَا يُصَرِّحُ الشَّافِعِيَّةُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ، وَيَضْمَنُ. وَقَالُوا: إِذَا اسْتَأْجَرَهُ لِلْمُدَاوَاةِ فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَمْ يَجُزْ؛ لأَِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْعَمَل وَالزَّمَنِ. وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لَهُمْ، وَهُوَ مَا أَخَذَ بِهِ الْحَنَابِلَةُ: يُقَدَّرُ الاِسْتِئْجَارُ لِلْمُدَاوَاةِ بِالْمُدَّةِ دُونَ الْبُرْءِ، إِذِ الْبُرْءُ غَيْرُ مَعْلُومٍ. فَإِنْ دَاوَاهُ الْمُدَّةَ وَلَمْ يَبْرَأِ اسْتَحَقَّ الأَْجْرَ؛ لأَِنَّهُ وَفَّى الْعَمَل. وَإِنْ بَرِئَ فِي أَثْنَائِهَا أَوْ مَاتَ، انْفَسَخَتِ الإِْجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ، وَيَسْتَحِقُّ مِنَ الأَْجْرِ بِالْقِسْطِ. وَعِنْدَ الإِْمَامِ مَالِكٍ أَنَّهُ لاَ يَسْتَحِقُّ أَجْرًا حَتَّى يَبْرَأَ. وَلَمْ يَحْكِ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ.
__________
(1) الفتاوى الهندية 4 / 499، والشرح الصغير 4 / 47، وحاشية الدسوقي 4 / 28، وحاشية القليوبي 3 / 70، 78، والمهذب 1 / 406، وكشاف القناع 4 / 27، والمغني 6 / 123
144 - وَإِنِ امْتَنَعَ الْمَرِيضُ مِنَ الْعِلاَجِ مَعَ بَقَاءِ الْمَرَضِ اسْتَحَقَّ الطَّبِيبُ الأَْجْرَ مَا دَامَ قَدْ سَلَّمَ نَفْسَهُ وَمَضَى زَمَنُ الْمُعَالَجَةِ؛ لأَِنَّ الإِْجَارَةَ عَقْدٌ لاَزِمٌ، وَقَدْ بَذَل الأَْجِيرُ مَا عَلَيْهِ. وَيَمْلِكُ الطَّبِيبُ الأُْجْرَةَ مَا دَامَ قَدْ قَامَ بِالْمُعْتَادِ.
145 - وَلاَ تَجُوزُ مُشَارَطَةُ الطَّبِيبِ عَلَى الْبُرْءِ. وَنَقَل ابْنُ قُدَامَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُوسَى الْجَوَازَ، وَقَال: إِنَّهُ الصَّحِيحُ، لَكِنْ يَكُونُ جِعَالَةً لاَ إِجَارَةً، إِذِ الإِْجَارَةُ لاَ بُدَّ فِيهَا مِنْ مُدَّةٍ أَوْ عَمَلٍ مَعْلُومٍ. وَقَال: إِنَّ أَبَا سَعِيدٍ حِينَ رَقَى الرَّجُل شَارَطَهُ عَلَى الْبُرْءِ. (1) وَقَدْ أَجَازَ ذَلِكَ مَالِكٌ، فَفِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ. لَوْ شَارَطَهُ طَبِيبٌ عَلَى الْبُرْءِ فَلاَ يَسْتَحِقُّ الأَْجْرَ إِلاَّ بِحُصُولِهِ. (2) وَلاَ ضَمَانَ عَلَى الطَّبِيبِ إِلاَّ بِالتَّفْرِيطِ مَا دَامَ مِنْ أَهْل الْمَعْرِفَةِ وَلَمْ يُخْطِئْ، وَإِلاَّ ضَمِنَ. (3)
146 - وَإِذَا زَال الأَْلَمُ، وَشُفِيَ الْمَرِيضُ قَبْل مُبَاشَرَةِ الطَّبِيبِ، كَانَ عُذْرًا تَنْفَسِخُ بِهِ الإِْجَارَةُ. يَقُول ابْنُ عَابِدِينَ: وَإِذَا سَكَنَ الضِّرْسُ الَّذِي اسْتُؤْجِرَ الطَّبِيبُ لِخَلْعِهِ فَهَذَا عُذْرٌ تَنْفَسِخُ بِهِ الإِْجَارَةُ. وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ حَتَّى مَنْ لَمْ يَعْتَبِرُوا الْعُذْرَ مُوجِبًا لِلْفَسْخِ، فَقَدْ نَصَّ كُلٌّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى أَنَّ مَنِ اسْتَأْجَرَ رَجُلاً لِيَقْلَعَ لَهُ ضِرْسًا، فَسَكَنَ الْوَجَعُ، أَوْ لِيُكَحِّل لَهُ عَيْنًا، فَبَرِئَتِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ
__________
(1) المغني 6 / 123
(2) الشرح الصغير 4 / 75
(3) حاشية القليوبي 3 / 70، 73، 78، ونهاية المحتاج 5 / 267، 270، وحاشية الدسوقي 4 / 28، والفتاوى الهندية 4 / 499، 505، وكشاف القناع 4 / 27، والمغني 6 / 125
الصفحة 300