كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 1)

مُلْزَمٍ بِرَعْيِهَا أَيْضًا، وَلَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَالُوا بِلُزُومِ رَعْيِهَا، اسْتِحْسَانًا؛ لأَِنَّهَا تَبَعٌ، وَلِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِذَلِكَ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ، وَالظَّاهِرُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ غَيْرُ مُلْزَمٍ.
2 - إِذَا خَافَ الرَّاعِي الْمَوْتَ عَلَى شَاةٍ - مَثَلاً - وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا تَمُوتُ إِنْ لَمْ يَذْبَحْهَا، فَذَبَحَهَا، فَلاَ يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا، وَإِذَا اخْتَلَفَا فَالْقَوْل قَوْل الرَّاعِي. (1)

تَعْلِيمُ الْعُلُومِ وَالْحِرَفِ وَالصِّنَاعَاتِ:
151 - نُبَيِّنُ هُنَا أَنَّهُ لاَ خِلاَفَ فِي جَوَازِ الاِسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْعُلُومِ سِوَى الْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ الْبَحْتَةِ، حَتَّى وَلَوْ كَانَتْ وَسِيلَةً وَمُقَدِّمَةً لِلْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، كَالنَّحْوِ وَالْبَلاَغَةِ وَأُصُول الْفِقْهِ. وَمِثْل ذَلِكَ يُقَال فِي الْحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ.
وَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ اسْتَحَقَّ الأَْجْرَ عَنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَصَحَّتِ الإِْجَارَةُ، اتِّفَاقًا. أَمَّا إِذَا اشْتَرَطَ فِي عَقْدِ الإِْجَارَةِ عَلَى التَّعَلُّمِ الْحِذْقَ فَالْقِيَاسُ أَلاَّ تَصِحَّ الإِْجَارَةُ؛ لأَِنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ، لِتَفَاوُتِ الأَْفْرَادِ فِي الذَّكَاءِ وَالْبَلاَدَةِ.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا إِذَا عَايَنَ الْمُعَلِّمُ الْمُتَعَلِّمَ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الإِْجَارَةَ فَاسِدَةٌ، فَإِنْ عَمِل اسْتَحَقَّ أَجْرَ الْمِثْل كَأَيَّةِ إِجَارَةٍ فَاسِدَةٍ.

إِجَارَةُ وَسَائِل النَّقْل الْحَدِيثَةِ:
152 - لَمْ يَتَعَرَّضِ الْفُقَهَاءُ الأَْقْدَمُونَ لِبَيَانِ أَحْكَامِ اسْتِئْجَارِ وَسَائِل النَّقْل الْحَدِيثَةِ مِنْ سَيَّارَاتٍ وَطَائِرَاتٍ
__________
(1) المغني 6 / 126 - 127 حاشية الدسوقي 4 / 27 - 29، والفتاوى الهندية 4 / 508 - 509، وحاشية ابن عابدين 5 / 44
وَسُفُنٍ كَبِيرَةٍ، وَإِنَّمَا تَعَرَّضُوا لاِسْتِئْجَارِ الدَّوَابِّ وَالأَْشْخَاصِ وَالسُّفُنِ الصَّغِيرَةِ.
وَمِمَّا تَقَدَّمَ يَتَبَيَّنُ أَنَّ أَحْكَامَ اسْتِئْجَارِ الدَّوَابِّ وَالسُّفُنِ الصَّغِيرَةِ وَالأَْشْخَاصِ تَرْجِعُ كُلُّهَا إِلَى الأَْحْوَال الآْتِيَةِ: إِجَارَةٍ مُشْتَرَكَةٍ، أَوْ إِجَارَةٍ خَاصَّةٍ، أَوْ إِجَارَةٍ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ إِجَارَةِ عَيْنٍ مَوْصُوفَةٍ، أَوْ إِجَارَةٍ عَلَى الْعَمَل، سَوَاءٌ كَانَتْ مَعَ الْمُدَّةِ أَوْ بِدُونِهَا. وَقَدْ بَيَّنَ الْفُقَهَاءُ كُل هَذِهِ الأَْحْكَامِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَيُمْكِنُ تَطْبِيقُهَا عَلَى وَسَائِل النَّقْل الْحَدِيثَةِ؛ لأَِنَّهَا لاَ تَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ الأَْحْوَال الَّتِي ذَكَرْنَاهَا. وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ اخْتِلاَفٌ فِي بَعْضِ الأَْحْوَال، كَاخْتِلاَفِهِمْ فِي تَعَيُّنِ الرَّاكِبِ، فَإِنَّ هَذَا يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى الْعُرْفِ. فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ شَخْصٍ وَآخَرَ فِي اسْتِئْجَارِ سَيَّارَةٍ أَوْ طَائِرَةٍ، بِخِلاَفِ الدَّابَّةِ، فَإِنَّهَا تَتَأَثَّرُ بِالأَْشْخَاصِ ضَخَامَةً وَنَحَافَةً - وَأَمَّا مَا يَصْحَبُهُ الرَّاكِبُ مِنَ الْمَتَاعِ فَمَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى الشَّرْطِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْحَكَمُ الْعُرْفُ.
وَأَمَّا اسْتِحْقَاقُ الأُْجْرَةِ، سَوَاءٌ عَلَى نَقْل الأَْشْخَاصِ أَوِ الأَْمْتِعَةِ، فَالْمَرْجِعُ أَيْضًا إِلَى الشَّرْطِ. وَإِلاَّ فَالْعُرْفُ.
وَكُل أَحْكَامِ الضَّمَانِ سَوَاءٌ بِالنِّسْبَةِ لِلأَْجِيرِ الْمُشْتَرَكِ أَوِ الْخَاصِّ، أَوْ بِالنِّسْبَةِ لاِسْتِئْجَارِ عَيْنٍ مِنَ الأَْعْيَانِ كَالسَّفِينَةِ، فَإِنَّ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ يُطَبَّقُ عَلَيْهَا.

الاِسْتِحْقَاقُ فِي الإِْجَارَةِ:
153 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَثَرِ اسْتِحْقَاقِ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى بُطْلاَنَ الإِْجَارَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى تَوَقُّفَهَا عَلَى إِجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ كَمَا اخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ الأُْجْرَةَ عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ، يُنْظَرُ بَحْثُ (اسْتِحْقَاق) .

الصفحة 302