كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 1)

مَاتَ الْفُضُولِيُّ، ثُمَّ أَجَازَ الرَّجُل اعْتُبِرَتِ الإِْجَازَةُ صَحِيحَةً؛ لأَِنَّ الْوَكِيل فِي هَذَا الْعَقْدِ مَا هُوَ إِلاَّ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ، وَلاَ يَعُودُ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ حُقُوقِ هَذَا الْعَقْدِ حِينَ إِخْلاَلِهِ بِالشُّرُوطِ الَّتِي اشْتَرَطَهَا عَلَيْهِ الْمُوَكِّل. (1)
هَذَا صَرِيحُ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ بَعْضِ الْفُرُوعِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ، فَقَدْ قَالُوا: لَوْ بَاعَ مَال مُوَرِّثِهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ حَيٌّ وَأَنَّهُ فُضُولِيٌّ، فَبَانَ مَيِّتًا حِينَئِذٍ وَأَنَّهُ مِلْكُ الْعَاقِدِ فَقَوْلاَنِ، وَقِيل: وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ، أَصَحُّهُمَا أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ لِصُدُورِهِ مِنْ مَالِكٍ، وَالثَّانِي: الْبُطْلاَنُ لأَِنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُعَلَّقِ بِمَوْتِهِ، وَلأَِنَّهُ كَالْغَائِبِ (2) .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَجْهَ الأَْوَّل هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْل بِجَوَازِ تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ، فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ كَانَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ فُضُولِيٌّ، وَإِجَازَتُهُ بَعْدَ تَحَقُّقِ وَفَاةِ مُوَرِّثِهِ عَلَى أَنَّهُ مَالِكٌ فَلَهُ اعْتِبَارَانِ: كَوْنُهُ فُضُولِيًّا وَكَوْنُهُ مَالِكًا، وَهُوَ حَيٌّ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْل بِالْبُطْلاَنِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَهُمْ، فَلاَ تَنَافِيَ. (3) هَذَا وَلَمْ نَعْثُرْ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

ب - الْمُجِيزُ:
5 - مَنْ لَهُ الإِْجَازَةُ (الْمُجِيزُ) إِمَّا أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَلاَ بُدَّ مِنِ اتِّفَاقِ جَمِيعِ مَنْ لَهُمُ الإِْجَازَةُ عَلَيْهَا حَتَّى تَلْحَقَ التَّصَرُّفَ إِذَا كَانَ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقُّ الإِْجَازَةِ كَامِلاً، فَإِنِ اخْتَلَفُوا فَأَجَازَهُ الْبَعْضُ وَرَدَّهُ الْبَعْضُ قُدِّمَ الرَّدُّ عَلَى الإِْجَازَةِ، كَمَا لَوْ جُعِل خِيَارُ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 4 / 140 و141 طبع بولاق، وجامع الفصولين 1 / 314، والفتاوى الهندية 3 / 610
(2) المجموع 9 / 261 ط المنيرية
(3) نهاية المحتاج 3 / 391
الشَّرْطِ إِلَى شَخْصَيْنِ فَأَجَازَ الْبَيْعَ أَحَدُهُمَا وَامْتَنَعَ عَنِ الإِْجَازَةِ الآْخَرُ، لَمْ تَلْحَقِ الإِْجَازَةُ التَّصَرُّفَ. (1)
أَمَّا إِنْ كَانَتِ الإِْجَازَةُ قَابِلَةً لِلتَّجْزِئَةِ كَمَا إِذَا تَصَرَّفَ فُضُولِيٌّ فِي مَالٍ مُشْتَرَكٍ، فَالإِْجَازَةُ تَنْفُذُ فِي حَقِّ الْمُجِيزِ دُونَ شُرَكَائِهِ.
6 - وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُجِيزِ لِكَيْ تَصِحَّ إِجَازَتُهُ أَنْ يَكُونَ أَهْلاً لِمُبَاشَرَةِ التَّصَرُّفِ وَقْتَ الإِْجَازَةِ، فَإِنْ كَانَ التَّصَرُّفُ هِبَةً وَجَبَ أَنْ تَتَوَفَّرَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ، وَإِنْ كَانَ بَيْعًا وَجَبَ أَنْ تَتَوَفَّرَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ التَّعَاقُدِ وَهَكَذَا؛ لأَِنَّ الإِْجَازَةَ لَهَا حُكْمُ الإِْنْشَاءِ، فَيَجِبُ فِيهَا مِنَ الشُّرُوطِ مَا يَجِبُ فِي الإِْنْشَاءِ.
7 - وَيَشْتَرِطُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ عِنْدَهُمْ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَتَوَقَّفُ عَلَى الإِْجَازَةِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ لأَِجْنَبِيٍّ عَنِ الْعَقْدِ، أَنْ يَكُونَ الْمُجِيزُ مَوْجُودًا حَال وُقُوعِ التَّصَرُّفِ؛ لأَِنَّ كُل تَصَرُّفٍ يَقَعُ وَلاَ مُجِيزَ لَهُ حِينَ وُقُوعِهِ يَقَعُ بَاطِلاً، وَالْبَاطِل لاَ تَلْحَقُهُ الإِْجَازَةُ. (2)
فَإِذَا بَاعَ الصَّغِيرُ الْمُمَيِّزُ ثُمَّ بَلَغَ قَبْل إِجَازَةِ الْوَلِيِّ تَصَرُّفَهُ، فَأَجَازَ تَصَرُّفَهُ بِنَفْسِهِ جَازَ؛ لأَِنَّ لَهُ وَلِيًّا يُجِيزُهُ حَال الْعَقْدِ، وَإِذَا زَوَّجَ فُضُولِيٌّ إِنْسَانًا ثُمَّ وَكَّل هَذَا الشَّخْصُ الْفُضُولِيَّ فِي تَزْوِيجِهِ قَبْل أَنْ يُجِيزَ التَّصَرُّفَ، فَأَجَازَ الْفُضُولِيُّ بَعْدَ الْوَكَالَةِ تَصَرُّفَهُ السَّابِقَ لِلْوَكَالَةِ،
__________
(1) أسنى المطالب شرح روض الطالب 2 / 48، 49
(2) حاشية ابن عابدين 4 / 135 و2 / 327، وجامع الفصولين 1 / 314، وحاشية الدسوقي 3 / 12 ط بيروت، والتحفة 4 / 342 ط الميمنية.

الصفحة 304