كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 1)

ضَامِنًا، فَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَأَجَازَ هِبَتَهُ، لَمْ تَجُزْ؛ لأَِنَّ الإِْجَازَةَ لاَ تَلْحَقُ أَفْعَال الإِْتْلاَفِ.
وَهَذَا هُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ. وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ غَيْرَ أَبٍ فَإِنْ كَانَ أَبًا فَلاَ يُعْتَبَرُ مُتَعَدِّيًا لأَِنَّ لَهُ حَقَّ تَمَلُّكِ مَال وَلَدِهِ، لِحَدِيثِ: أَنْتَ وَمَالُكَ لأَِبِيكَ (1) وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ غَيْرَ أَبٍ فَهُمْ مَعَ الْجُمْهُورِ. أَمَّا دَلِيل عَدَمِ نَفَاذِ الإِْجَازَةِ فَلأَِنَّ تَصَرُّفَاتِ الْوَلِيِّ مَنُوطَةٌ بِمَصْلَحَتِهِ، وَالتَّبَرُّعَاتُ إِتْلاَفٌ فَتَقَعُ بَاطِلَةً فَلاَ تَلْحَقُهَا الإِْجَازَةُ.
14 - وَقَدْ وَقَعَ خِلاَفٌ فِي اللُّقَطَةِ إِذَا تَصَدَّقَ بِهَا الْمُلْتَقِطُ، فَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ قَالُوا: إِذَا عَرَّفَهَا سَنَةً وَلَمْ يَأْتِ مَالِكُهَا تَمَلَّكَهَا الْمُلْتَقِطُ، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ تَصَدَّقَ بِهَا بَعْدَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ لأَِنَّهُ تَصَدَّقَ بِخَالِصِ مَالِهِ. وَمَفْهُومُ كَلاَمِهِمْ أَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ بِهَا قَبْل هَذِهِ الْمُدَّةِ أَوْ لَمْ يُعَرِّفْهَا يَكُونُ ضَامِنًا إِنْ لَمْ يُجِزِ الْمَالِكُ التَّصَدُّقَ. وَسَنَدُهُمْ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال فِي شَأْنِ اللُّقَطَةِ: (2) فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِقْهَا. وَفِي لَفْظٍ: وَإِلاَّ فَهِيَ كَسَبِيل مَالِكَ. وَفِي لَفْظٍ: ثُمَّ كُلْهَا. وَفِي لَفْظٍ: فَانْتَفِعْ بِهَا.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا: إِذَا تَصَدَّقَ الْمُلْتَقِطُ بِاللُّقَطَةِ، ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَجَازَ
__________
(1) حديث " أنت ومالك لأبيك " رواه ابن ماجه عن جابر، والطبراني في الكبير والبزار عن سمرة وابن مسعود (الفتح الكبير 1 / 277) .
(2) حديث زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في شأن اللقطة: " فإن لم تعرف فاستنفقها " أخرجه البخاري ومسلم بألفاظ، ومالك في الموطأ والشافعي عنه من طريقه. (تلخيص الحبير 3 / 73) .
صَدَقَةَ الْمُلْتَقِطِ طَلَبًا لِثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى، جَازَ بِالاِتِّفَاقِ. قَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِمَنْ أَتَاهُ مُسْتَفْسِرًا عَمَّا يَتَصَرَّفُ بِهِ فِي اللُّقَطَةِ الَّتِي فِي يَدِهِ: أَلاَ أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ سَبِيلِهَا؟ تَصَدَّقْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَاخْتَارَ الْمَال غَرِمْتَ لَهُ وَكَانَ الأَْجْرُ لَكَ، وَإِنِ اخْتَارَ الأَْجْرَ كَانَ لَهُ، وَلَكَ مَا نَوَيْتَ (1) وَمَفْهُومُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ إِذَا تَصَرَّفَ أَيَّ تَصَرُّفٍ فِيهَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا وَيُعْتَبَرُ ضَامِنًا. (2) وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ " لُقَطَة ".

صِيغَةُ الإِْجَازَةِ:
مِنِ اسْتِقْرَاءِ كَلاَمِ الْفُقَهَاءِ نَجِدُ أَنَّ الإِْجَازَةَ تَتَحَقَّقُ بِطَرَائِقَ مُتَعَدِّدَةٍ. وَهِيَ خَمْسَةٌ فِي الْجُمْلَةِ:

الطَّرِيقَةُ الأُْولَى: الْقَوْل
15 - الأَْصْل فِي الإِْجَازَةِ أَنْ تَكُونَ بِالْقَوْل الْمُعَبِّرِ عَنْهَا بِنَحْوِ قَوْل الْمُجِيزِ: أَجَزْتُ، وَأَنْفَذْتُ، وَأَمْضَيْتُ، وَرَضِيتُ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. (3)
__________
(1) أثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " ألا أخبرك بخير سبيلها. . . " رواه عبد الرزاق في مصنفه 10 / 139، والمحلى لابن حزم 8 / 258، 259، 266
(2) الحطاب 5 / 72 ط ليبيا، ومنح الجليل 3 / 179، 0 18، والحطاب والمواق 6 / 74، وحاشية القليوبي 2 / 370 ط مصطفى الحلبي، والأم 4 / 68، والقواعد لابن رجب 206، والمغني 5 / 698 - 702 ط الرياض، وحاشية ابن عابدين 5 / 126، وحاشية الطحطاوي على الدر 2 / 109 ط بيروت، وحاشية ابن عابدين 3 / 443 ط بولاق 1299
(3) ابن عابدين 4 / 141

الصفحة 307