كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 1)

وَالأَْوْلاَدِ وَالأَْقَارِبِ عَلَى تَفْصِيلٍ وَخِلاَفٍ يُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ. (1)
كَمَا قَالُوا: إِنَّ الأُْمَّ تُجْبَرُ عَلَى إِرْضَاعِ وَلَدِهِ وَحَضَانَتِهِ إِنْ تَعَيَّنَتْ لِذَلِكَ وَاقْتَضَتْهُ مَصْلَحَةُ الصَّغِيرِ، كَمَا يُجْبَرُ الأَْبُ عَلَى أَجْرِ الْحَضَانَةِ وَالرَّضَاعَةِ (2) . وَلَيْسَ لَهُ إِجْبَارُهَا عَلَى الرَّضَاعِ إِذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ، أَوِ الْفِطَامِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُجْبِرَهَا عَلَى الْفِطَامِ بَعْدَ حَوْلَيْنِ. (3)
كَمَا أَنَّ الْمُضْطَرَّ قَدْ يُجْبِرُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ عَلَى أَنْ يَتَنَاوَل طَعَامًا أَوْ شَرَابًا مَحْظُورًا لِيُزِيل بِهِ غُصَّةً أَوْ يَدْفَعَ مَخْمَصَةً كَيْ لاَ يُلْقِيَ بِنَفْسِهِ فِي التَّهْلُكَةِ. (4) فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ مَصْدَرُ الإِْجْبَارِ فِيهَا: الشَّرْعُ مُبَاشَرَةً، وَمَا وَلِيُّ الأَْمْرِ إِلاَّ مُنَفِّذٌ فِيمَا يَحْتَاجُ إِلَى تَدَخُّلِهِ دُونَ أَنْ يَكُونَ لَهُ خِيَارٌ.

الإِْجْبَارُ مِنْ وَلِيِّ الأَْمْرِ:
8 - قَدْ يَكُونُ الإِْجْبَارُ حَقًّا لِوَلِيِّ الأَْمْرِ بِتَخْوِيلٍ مِنَ الشَّارِعِ دَفْعًا لِظُلْمٍ أَوْ تَحْقِيقًا لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ. وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالُوهُ مِنْ جَبْرِ الْمَدِينِ الْمُمَاطَل عَلَى دَفْعِ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ لِلْغَيْرِ وَلَوْ بِالضَّرْبِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَالسَّجْنِ، وَإِلاَّ بَاعَ عَلَيْهِ الْقَاضِي جَبْرًا. كَمَا قَال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ خِلاَفًا لِلإِْمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي رَأَى جَبْرَهُ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنَهُ دُونَ بَيْعِ مَالِهِ جَبْرًا عَنْهُ. (5) وَتَفْصِيلُهُ
__________
(1) التنقيح المشبع ص 257 - 259، والمحرر 2 / 116، 120، والمغني 9 / 256، ونهاية المحتاج 7 / 208
(2) حاشية ابن عابدين 2 / 634 - 636، والمحرر 2 / 119
(3) حاشية ابن عابدين 2 / 404
(4) المحرر 2 / 137
(5) كشف الأسرار 4 / 1494، وحاشية ابن عابدين 5 / 200، ومقدمات ابن رشد 2 / 200
فِي الْحَجْرِ.
كَمَا قَالُوا: إِذَا امْتَنَعَ أَرْبَابُ الْحِرَفِ الضَّرُورِيَّةِ لِلنَّاسِ، وَلَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُمْ، أَجْبَرَهُمْ وَلِيُّ الأَْمْرِ اسْتِحْسَانًا (1) .
9 - كَمَا أَنَّ لِوَلِيِّ الأَْمْرِ أَيْضًا أَنْ يُجْبِرَ صَاحِبَ الْمَاءِ عَلَى بَيْعِ مَا يَفِيضُ عَنْ حَاجَتِهِ لِمَنْ بِهِ عَطَشٌ أَوْ فَقَدَ مَوْرِدَ مَائِهِ (2) كَمَا أَثْبَتُوا لِلْغَيْرِ حَقَّ الشَّفَةِ (3) فِي مِيَاهِ الْقَنَوَاتِ الْخَاصَّةِ وَالْعُيُونِ الْخَاصَّةِ، وَمِنْ حَقِّ النَّاسِ أَنْ يُطَالِبُوا مَالِكَ الْمَجْرَى أَوِ النَّبْعِ أَنْ يُخْرِجَ لَهُمُ الْمَاءَ لِيَسْتَوْفُوا حَقَّهُمْ مِنْهُ أَوْ يُمَكِّنَهُمْ مِنَ الْوُصُول إِلَيْهِ لِذَلِكَ، وَإِلاَّ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ إِذَا تَعَيَّنَ هَذَا الْمَاءُ لِدَفْعِ حَاجَتِهِمْ.
ذَكَرَ الْكَاسَانِيُّ: أَنَّ قَوْمًا وَرَدُوا مَاءً فَسَأَلُوهُ أَهْلَهُ فَمَنَعُوهُمْ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقَالُوا: إِنَّ أَعْنَاقَنَا وَأَعْنَاقَ مَطَايَانَا كَادَتْ تَتَقَطَّعُ مِنَ الْعَطَشِ، فَقَال لَهُمْ عُمَرُ: هَلاَّ وَضَعْتُمْ فِيهِمُ السِّلاَحَ (4) ؟
10 - وَلَمَّا كَانَ الاِحْتِكَارُ مَحْظُورًا لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: مَنِ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ، فَإِنَّ فُقَهَاءَ الْمَذَاهِبِ قَالُوا بِأَنَّ وَلِيَّ الأَْمْرِ يَأْمُرُ الْمُحْتَكِرِينَ بِالْبَيْعِ بِسِعْرِ وَقْتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا أُجْبِرُوا عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ ضَرُورَةِ النَّاسِ إِلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّ ابْنَ جُزَيٍّ ذَكَرَ أَنَّ فِي الْجَبْرِ خِلاَفًا. وَنَقَل الْكَاسَانِيُّ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ خِلاَفًا أَيْضًا، لَكِنْ نَقَل الْمَرْغِينَانِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلاً اتِّفَاقِيًّا فِي الْمَذْهَبِ - هُوَ الصَّحِيحُ - أَنَّ الإِْمَامَ يَبِيعُ عَلَى
__________
(1) الشرح الصغير 4 / 39، ونهاية الرتبة في طلب الحسبة 23، 87
(2) مواهب الجليل 4 / 252، ونهاية المحتاج 5 / 352
(3) حق الإنسان في الشرب وسقي دوابه دون سقي الأرض.
(4) البدائع 6 / 189، وحاشية القليوبي 3 / 95، والمغني 5 / 529 ط 3 المنار، ونهاية المحتاج 5 / 352 وما بعدها.

الصفحة 313