كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 1)

فَائِتٌ إِذْ حَقُّهُ قَرَارُ الْعُلْوِ عَلَى السُّفْل الْقَائِمِ. (1) وَيَقُول ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا كَانَ السُّفْل لِرَجُلٍ وَالْعُلْوُ لآِخَرَ فَانْهَدَمَ السَّقْفُ الَّذِي بَيْنَهُمَا فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْمُبَانَاةَ مِنَ الآْخَرِ فَامْتَنَعَ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ كَالْحَائِطِ بَيْنَ الْبَيْتَيْنِ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلاَنِ كَالرِّوَايَتَيْنِ. وَإِنِ انْهَدَمَتْ حِيطَانُ السُّفْل فَطَالَبَهُ صَاحِبُ الْعُلْوِ بِإِعَادَتِهَا فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ: يُجْبَرُ، وَهُوَ قَوْل مَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ وَحْدَهُ لأَِنَّهُ مِلْكُهُ خَاصَّةً.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لاَ يُجْبَرُ، وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُ الْعُلْوِ بِنَاءَهُ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ.
وَإِنْ طَالَبَ صَاحِبُ السُّفْل بِالْبِنَاءِ وَأَبَى صَاحِبُ الْعُلْوِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ:
الأُْولَى: لاَ يُجْبَرُ عَلَى بِنَائِهِ وَلاَ مُسَاعَدَتِهِ وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيِّ،
وَالثَّانِيَةُ: يُجْبَرُ عَلَى مُسَاعَدَتِهِ لأَِنَّهُ حَائِطٌ يَشْتَرِكَانِ فِي الاِنْتِفَاعِ بِهِ. (2) وَتَفْصِيلُهُ فِي حَقِّ التَّعَلِّي ضِمْنَ حُقُوقِ الاِرْتِفَاقِ.
19 - وَقَالُوا فِي الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ: لَوِ انْهَدَمَ وَعَرْصَتُهُ عَرِيضَةٌ فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا بِنَاءَهُ، يُجْبَرُ الآْخَرُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي مَذَاهِبِ الأَْئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لأَِنَّ فِي تَرْكِ بِنَائِهِ إِضْرَارًا فَيُجْبَرُ عَلَيْهِ كَمَا يُجْبَرُ عَلَى الْقِسْمَةِ إِذَا طَلَبَهَا أَحَدُهُمَا وَعَلَى النَّقْضِ إِذَا خِيفَ سُقُوطُهُ. وَغَيْرُ الصَّحِيحِ فِي الْمَذَاهِبِ أَنَّهُ لاَ يُجْبَرُ لأَِنَّهُ مِلْكٌ لاَ حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ فَلَمْ يُجْبَرْ مَالِكُهُ عَلَى الإِْنْفَاقِ عَلَيْهِ كَمَا لَوِ انْفَرَدَ بِهِ، وَلأَِنَّهُ بِنَاءُ حَائِطٍ فَلَمْ
__________
(1) ابن عابدين 3 / 355، مواهب الجليل 5 / 143، 144، ونهاية المحتاج 4 / 399
(2) المغني مع الشرح الكبير 5 / 47، 48، ومواهب الجليل 5 / 144، ونهاية المحتاج 4 / 399
يُجْبَرْ عَلَيْهِ كَالاِبْتِدَاءِ. وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَكَانُ الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ يَحْتَمِل الْقِسْمَةَ وَيَتَمَكَّنُ كُل وَاحِدٍ مِنْ بِنَاءِ سَدٍّ فِي نَصِيبِهِ لَمْ يُجْبَرْ، وَإِلاَّ أُجْبِرَ (1) .

اجْتِهَاد
التَّعْرِيفُ:
1 - الاِجْتِهَادُ فِي اللُّغَةِ بَذْل الْوُسْعِ وَالطَّاقَةِ فِي طَلَبِ أَمْرٍ لِيَبْلُغَ مَجْهُودَهُ وَيَصِل إِلَى نِهَايَتِهِ. وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. (2)
أَمَّا الأُْصُولِيُّونَ فَمِنْ أَدَقِّ مَا عَرَّفُوهُ بِهِ أَنَّهُ بَذْل الطَّاقَةِ مِنَ الْفَقِيهِ فِي تَحْصِيل حُكْمٍ شَرْعِيٍّ ظَنِّيٍّ، فَلاَ اجْتِهَادَ فِيمَا عُلِمَ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، كَوُجُوبِ الصَّلَوَاتِ، وَكَوْنِهَا خَمْسًا.
وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَعْرِفَةَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ مِنْ دَلِيلِهِ الْقَطْعِيِّ لاَ تُسَمَّى اجْتِهَادًا (3) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْقِيَاسُ:
2 - الَّذِي عَلَيْهِ الأُْصُولِيُّونَ أَنَّ الاِجْتِهَادَ أَعَمُّ مِنْ الْقِيَاسِ. فَالاِجْتِهَادُ يَكُونُ فِي أَمْرٍ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ، بِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ لَهُ، لِوُجُودِ عِلَّةِ الأَْصْل فِيهِ، وَهَذَا هُوَ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 3 / 355، ومواهب الجليل 5 / 144، ونهاية المحتاج 4 / 398، والمغني 5 / 45 - 48
(2) كشاف اصطلاحات الفنون ط كلكتا 1 / 198، والمصباح مادة (جهد)
(3) مسلم الثبوت 2 / 362 ط بولاق.

الصفحة 316