كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 1)

13 - أَمَّا إِذَا انْغَمَسَ إِنْسَانٌ فِي مَاءِ الْبِئْرِ وَعَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ حَقِيقِيَّةٌ، أَوْ أُلْقِيَ فِيهِ شَيْءٌ نَجِسٌ، فَمِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَاءَ الْكَثِيرَ لاَ يَتَنَجَّسُ بِشَيْءٍ، مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ، عَلَى مَا سَبَقَ. (1)
غَيْرَ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ فِي أَشْهَرِ رِوَايَتَيْنِ عِنْدَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ مَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ، إِذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ فَلاَ يَتَنَجَّسُ بِشَيْءٍ مِنَ النَّجَاسَاتِ، إِلاَّ بِبَوْل الآْدَمِيِّينَ أَوْ عَذِرَتِهِمُ الْمَائِعَةِ. (2) وَجْهُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لاَ يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِل فِيهِ. (3) وَكَذَلِكَ إِذَا مَا سَقَطَ فِيهِ شَيْءٌ نَجِسٌ، وَفِي مُقَابِل الْمَشْهُورِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ أَنَّ الْمَاءَ لاَ يَنْجُسُ إِلاَّ بِالتَّغَيُّرِ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ. (4)
14 - وَقَدْ فَصَّل الْحَنَفِيَّةُ هَذَا بِمَا لَمْ يُفَصِّلْهُ غَيْرُهُمْ، وَنَصُّوا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ لاَ يَنْجُسُ بِخُرْءِ الْحَمَامِ وَالْعُصْفُورِ، وَلَوْ كَانَ كَثِيرًا؛ لأَِنَّهُ طَاهِرٌ اسْتِحْسَانًا، بِدَلاَلَةِ الإِْجْمَاعِ، فَإِنَّ الصَّدْرَ الأَْوَّل وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ اقْتِنَاءِ الْحَمَامِ فِي الْمَسَاجِدِ، حَتَّى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، مَعَ وُرُودِ الأَْمْرِ بِتَطْهِيرِهَا. وَفِي ذَلِكَ دَلاَلَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى عَدَمِ نَجَاسَتِهِ. وَخُرْءُ الْعُصْفُورِ كَخُرْءِ الْحَمَامَةِ، فَمَا يَدُل عَلَى طَهَارَةِ هَذَا يَدُل عَلَى طَهَارَةِ
__________
(1) مجمع الأنهر1 / 33، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي1 / 35، والخرشي 1 / 76، وأسنى المطالب 1 / 13، 15، والوجيز1 / 8، والمغني1 / 37،31
(2) المغني 1 / 37، 38
(3) حديث: " لا يبولن أحدكم. . . " رواه الشيخان وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة (الفتح الكبير 3 / 352)
(4) المغني 1 / 24
ذَاكَ. وَكَذَلِكَ خُرْءُ جَمِيعِ مَا يُؤْكَل لَحْمُهُ مِنَ الطُّيُورِ عَلَى الأَْرْجَحِ. (1)
الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ
أَثَرُ وُقُوعِ حَيَوَانٍ فِي الْبِئْرِ
15 - الأَْصْل أَنَّ الْمَاءَ الْكَثِيرَ لاَ يَنْجُسُ إِلاَّ بِتَغَيُّرِ أَحَدِ أَوْصَافِهِ كَمَا سَبَقَ. وَاتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ الأَْرْبَعَةِ عَلَى أَنَّ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ، إِذَا مَا وَقَعَ فِي مَاءِ الْبِئْرِ لاَ يُؤَثِّرُ فِي طَهَارَتِهِ، كَالنَّحْل، لِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُل طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَقَعَتْ فِيهِ دَابَّةٌ لَيْسَ لَهَا دَمٌ فَمَاتَتْ فَهُوَ حَلاَلٌ. (2) وَمِمَّا قِيل فِي تَوْجِيهِهِ أَنَّ الْمُنَجِّسَ لَهُ الدِّمَاءُ السَّائِلَةُ، فَمَا لاَ دَمَ لَهُ سَائِلاً لاَ يَتَنَجَّسُ بِالْمَوْتِ مَا مَاتَ فِيهِ مِنَ الْمَائِعَاتِ. (3) وَكَذَا مَا كَانَ مَأْكُول اللَّحْمِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ يُعْلَمُ أَنَّ عَلَى بَدَنِهِ أَوْ مَخْرَجِهِ نَجَاسَةً، وَخَرَجَ حَيًّا، مَا دَامَ لَمْ يَتَسَبَّبْ فِي تَغَيُّرِ أَحَدِ أَوْصَافِ الْمَاءِ، عَدَا مَا كَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ كَالْخِنْزِيرِ. (4)
__________
(1) مجمع الأنهر 1 / 34، وتبيين الحقائق 1 / 27
(2) حديث: " كل طعام وشراب. . " رواه الدارقطني عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا سلمان، كل طعام وشراب وقعت فيه دابة ليس لها دم، فماتت فيه، فهو حلال أكله وشربه ووضؤه " ورواه البيهقي من حديث على بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن سلمان. وفيه بقية بن الوليد، وقد تفرد به، وشيخه مجهول، وقد ضعف. وعلي بن زيد ضعيف، وقال الحاكم: هذا الحديث غير محفوظ. انظر (تلخيص الحبير 1 / 28 ط الفنية، والدارقطني 1 / 37)
(3) تبيين الحقائق 1 / 23، وبلغة السالك 1 / 15 - 16، وفتح المعين بحاشية إعانة الطالبين 1 / 33، والمغني 1 / 41
(4) البدائع 1 / 74

الصفحة 83